هل تشکل التعددية الثقافية خطراً على المجتمع وتطوره؟ (2)

لم نعد في عصر الرأسمالية الماركسية، عصرها في نهاية طريقه إلى الزوال، التطورات التكنولوجية ليست في اتجاه نظام اشتراکي کما يحلم بقايا المنتمين للفکر المارکسي.
تجري تغيرات جذرية بترکيبة النظام الرأسمالي الاجتماعية، القانونية والفكرية.
هناك تحولات تفرض التغيير وتخرج المضمون القديم الى ساحة تجديد لا حدود لها إلا السماء، على رأسها وضع الإنسان (المواطن) في قمة الأهمية للأنظمة التي ما زالت تعرف بأنها رأسمالية ولکن کل تطبيقاتها تسقط المفاهيم القديمة التي راجت لقرنين کاملين تقريبا، المضحك أن البعض ما زال يغرد بفلسفات قديمة بالية لا تملك تفسيرات للتحولات العاصفة في المجتمعات المتطورة اقتصادياً.
هل نسمي ما يجري الآن من تطور في العالم انه (ما بعد الرأسمالية)؟!
ما قيمة التسمية حين نستوعب المضامين التي بدأت تفرض نفسها بقوة ؟ دولاً عديدة أقرت … مثلاً مستوى من ضمان الدخل للعاطلين عن العمل يضمن لهم حياة محترمة ورفاهية اجتماعية تجعلهم ليس فوق خط الفقر فقط انما بمستوى حياة واکتفاء تحافظ على کرامة الانسان ومساواته بالقيمة مع سائر المواطنين.
عندما کتبت مقالي عن التعددية الثقافية کان القصد أيضاً ليس الإبداع الروحي فقط، إنما الإبداع المادي ايضا الذي بدونه تذوي حتى الثقافة الروحية.
البشرية تجاوزت في تاريخها الحديث (ولن أعود لتکرار المعلوم من مراحل التاريخ القديم للبشرية) الکثير جداً من التطورات والاکتشافات والرقي الاجتماعي، مما أحدث ثورة فکرية في المفاهيم الفلسفية والثقافية بکل تنوعاتها المادية والروحية.
کانت نظريات قديمة تتحدث عن صراع، عن کون الامبريالية آخر مراحل الرأسمالية، عن حتمية تاريخية، عن نظام عدالة اجتماعية لا يتحقق إلا بنظام اشتراکي، عن کون العولمة تخدم النظام الرأسمالي.
هل يمکن تخيل عالمنا المتطور بدون العولمة؟ انا اليوم استصعب فهم العالم الرأسمالي حسب النظريات التي يتمسك بها البعض من القرن التاسع عشر.
ما أراه اليوم أنه يتجذر في المجتمعات ليس أسلوب الإنتاج الذي أشغل فلاسفة القرن التاسع عشر، بل نشاط الدول على تطوير التوزيعة الإجتماعية للثروة بشکل أکثر عدلاً.
 هذا لا يعني أن وجود حظائر (دول) ما زالت تعيش بعقلية سابقة للقرن الواحد والعشرين بأن لا شيء يتغير.
عالمنا ليس هو عالم القرن التاسع عشر والقرن العشرين.
نظريات تلك المراحل، مع کل أهميتها التاريخية والفکرية في وقتها، أحدثت تطورات لم تکن بالاتجاه الذي توقعته (بعلميتها!!) وبالتالي تلاشت أهمية تلك النظريات ولم تعد تعطي الأجوبة الضرورية لواقعنا المتحول.
نحن اليوم في مرحلة ما بعد الرأسمالية ،ما بعد الاستعمار، ما بعد الحداثة، بل و (ما بعد بعد الحداثة) واتجرأ واقول أيضا أننا في مرحلة (ما بعد العقائد والمعتقدات البالية).
 ما يجري في دول الخليج ليس عودة للدين بقدر ما هو نسف جذوره !… والعنف هو التعبير عن نهاية مرحلة وسيکون الثمن رهيباً، والحروب الدينية عبر التاريخ عرفت جرائم مروعة.
طبعا لا يمکن النظر لجميع الأنظمة بنفس المعيار، ما أطرحه هنا هو أقرب للرؤية الفلسفية لما سيکون من تحولات أن لم نعشها نحن سيعيشها أبناؤنا.

Related posts

السودان ما بعد الإتفاق الإطاري

قد نتفق أو لا نتفق

حوار الطرشان

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. أقرا المزيد...