1.2K Copyright secured by Digiprove © 2020 Ashraf Eltom
أكثر الأشياء قسوة أن تكتشف الحقائق مؤخراً بعد مُضي قطار العُمر؛ و أنت الذي كنت تأمل أن تهدي سنين عمرك الغض مُتع الحياة التي تحلم بها؛ و لكن ماذا إن حصلت على كل ما حلمت به؟ ترى هل تكون قد حققت السعادة التي كانت تراود خيالك منذ الطفولة؟
هناك في زاوية بعيدة في النفس؛ في أقصى مكامن الشعور شئ يقيس وقع الأشياء في النفس و يعايرها مع المُتخيل مُسبقا، فتخيل حجم الخيبة و أنت تكتشف أنك قد أهدرت عمراً بأكمله تركض خلف حُلمٍ ما و يوم أن تصله بآخر شهيق تكتشف أنه ليس ذاك المتوقع، ليس هو بالضبط المتوقع؛ نعم كان هذا شغفك ولكن خيالك به كان أكبر من هذا الشعور، ليس هذا بالضبط ما كنت ترجوه، هناك شئ ناقص يجعلك تشعر بالغضب و الإكتئاب و القلق، كل هذه الأحاسيس مختلطة جميعها تشير بأن هناك شئ ليس على ما يرام، أنت لا تدري ما ذاك الذي تبحث عنه بالضبط، فقط هناك شئ صغير ناقص و لكن بدونه لن يكتمل ما تشعر به.
أورد الدكتور ساجد العبدلي قصة تعبر عن ما نحكي عنه في كتابه (الراقصون تحت المطر) و هي تحكي قصة ”انغريد إستيفنسون“ معلمة التاريخ المعماري في كلية براين مور، تلك المعلمة التي كان حلمها أن تعمل في حقل التدريس بعد تخرجها و تقضي وقتها بين الكتب و المحاضرات و في عالم التدريس، و بالفعل قد كان لها ذلك، لكنها لم تشعر بأي شئ من الحياة الرائعة التي كانت تحلم بها في سلك التعليم؛ لم تجد ما كان في أحلامها و ما تخيلته كل تلك الأعوام، و ذات يوم جربت أن تقود سيارة سريعة في حلبة سباق، شعرت بمتعة غريبة بعد هذه التجربة الشئ الذي قادها لأن تجرب مرة آخرى، و هكذا بدأت تفقد شغفها بعالم التدريس و طلبت إجازة مفتوحة من غير مدفوعة، لتنطلق في رحلة شغفها الجديد الذي إكتشفته مصادفة و هكذا حتى إقترح عليها أحد أصدقائها أن تكتب عن تجربتها في (حلبة السباق) و هكذا وجدت نفسها تُحلِّق في عوالم بعيدة عن كل العوالم التي قضت الكثير من سنوات عمرها تتخيلها و تعمل لأجلها…
أحياناً نمضي عمراً بأكمله باحثين عن تحقيق أمنية استعصت علينا؛ فقط لأننا نتخيلها بشكل معين، و حين نحققها نشعر بأنها ليس ما كنا نرجو، هل هذا يمثلك؟
هل أنت هنا ..؟
هل أنت في هذه القصة؟
ربما في لحظةِ زهوٍ عابرة، خدعنا خيالنا بأمنيات و أوهمنا بأن سعادتنا تكمن هنا فقط؛ إن حصلنا عليها سنجني السعادة من على حواف الأيام، و من ثم نمضي العمر نقاتل لأجل ذلك في معارك مُتخيلة لن نجني من ورائها السعادة المنتظرة، و إن إنتصرنا نكتشف بعد فوات الأوان أننا استهلكنا أجمل سنوات عمرنا في مقارعة السراب، و أننا أحرقنا أجمل أيامنا في سبيل الحصول على سعادتنا التي كانت بين أيدينا و لكننا لم نكن نراها، أو تعامينا عنها غفلةً.
◐ لكل الأمنيات المُتخيلة و المنتظرة نناجيها بأحرف (الحِبيّب) :
” أحلامنا في دار الشقاء…
لو ما قِدرنا نحققها…
أو عَزّ بيناتنا اللقاء..
نتلاقى في عالي الجِنان “ .