هذا الصباح يمنحني أملاً جديداً ، سعادة كنت أفتقدها ، وإحساس بالغبطة والانتشاء وشعور بالروعة ؛ أشعر بأن شيء من الفرح قد نثره الله تعالى على الجميع ، فالجو هادئاً والأنسام رائعة تتسرب إلى حنايا الروح بعييييداً مسافرة نحو مكامن دهشتنا والسعادة … قطرات من الرزاز تقبل وجه الأديم ، الجو شتائي بارد ….وزخات المطر تداعب النوافذ المغلقة وأبواب السيارات الزجاجية …السحر يعم المكان.
– أخرج من غرفتي إلي الخارج ، تلفحني النسائم الباردة ، تدثرني بحنين شتوي كنت أفتقده منذ أعوام …مذ كنا نجلس لنتدفأ بنيران الشاي الصباحي التي توقدها ” كانت تمنحنا ابتسامتها وحكاويها الملهمة قبل أن تهبنا أكواب الحليب الفاخرة كبيرة الحجم ” … تضع عليه بضع قطرات من السمن الذي كانت تصنعه بيدها …وحبيبات من السمسم الأحمر المبشور وقطع العجوة الكبيرة …قبل أن تسكبه .. تغازلنا رائحته ” المقننة” .. لنرتشفه على مهل بمتعة من يخشى انتهائه .
– صباح اليوم …يبدو صباحا مختلفا …إشراقا مختلفا …فالشمس حتى الآن متدثرة برداء الغيوم الشفاف ، لتكشف شيئا من فتنتها المتسربة من بين ثنايا الغيوم المبعثره …بيد أنها احتوت الشمس كاملة اﻹ بعض الأشعة المشاغبة تسربت …لتحمل فيتامين (د) ﻷطفال بلادي الجوعي لتقيهم شر الكساح …هي تريد أن تكتسب الدفء أوﻻ ثم تخرج لتمنحنا له … السماء أيضا بدت وكأنها تستعد لحفل جديد ؛ لبست ثوبها اﻷزرق البهي ..المزركش ببعض البياض الخفي ليضفي عليها لمسة هندسية خفيفة ﻻ تعرفها أيادي بني البشر …هو صباحي اليوم .
– ﻻ شيء يغريني عادة سوى أغلفة الكتب الملونة ، تمنحني شيئا من الرغبة والتوق ﻵقتنائها ؛ ﻻ تتهموني بالسطحية لمجرد أنني أعشق الألوان الجاذبة على أغلفة الكتب ، فهي عادة طفولية ما زالت تلازمني …أخبركم سرا ؟
هذا الصباح تركت الكتاب من يدي حين طرقت إحدي زخات المطر الشتوي نافذتي صباح اليوم … فتحت لها نافذتي؛ لتغمر وجهي وتقبلني كيفما شاءت ..أحسست بشوقها لمعانقتي …أغلقت النافذة وخرجت ﻷلتقيها عند باب غرفتي الكبير خارج (الحوش) …وما أن خرجت حتى إلتفت حولي زخات المطر وقطرات الغيوم …وكل منها كانت تعبر بشوقها بطريقة مختلفة وأنا سعيد (بعشقنا) هذا ..إحداهن تدغدغني …أخرى تقبل شعر رأسي وأخريات قمن بمهمة غمري وجهي بالماء وأنا كطفل يلهو برفقتهن …آه ، نسيت أن أخبركم بأن (مرقدي) دائما قرب النافذة ، وتجمعني علاقة صديقة قوية جدا بالكتب ، وكانت الرسومات و الالوان وأقلام التشكيل يوما برفقتي ..إلا أنها جافتني منذ خمسة سنوات حين فضلت دراسة أخرى عليهن …وتجمعني أواصر قوية من المحبة بالنسائم والمطر .
– هذا الأشراق ، يلون يومي بالسعادة ؛ يهديني أجمل ذكرياتي السعيدة (شكرا أيها الصباح)، فقط يخرج لي الجميل منها …يعيدها إلي ﻷعيشها مرة أخرى ..يضعها ماثلة أمام عيني …حين كنت أحتسي (سعادة الصباح) ،، عفواً ،، أقصد شاي الصباح ، برفقة صحف مختلفة الإصدارات وندير كؤوس الانس اللذيذ ، وننظر إلى حبيبات السكر الخشنة (القابعة ) بفخر على قمة (اللقيمات) …منذ أزمان تركت شاي الصباح ، وبدلته بالعصائر المنعشة أو الماء القراح …وحتى الآن …بيد أنني لم أعرف سبب إختفاء تلك الأجواء؛ ﻻ أحد يقول غياب ذلك الطقس هو سببها ، فقد كنت على مدار سنين من عمر الزمان أتجرع رشفات شاي الصباح وأمامي (تتكوم) صحف مختلفة وأنواع من الخبائز والحلويات و…و….و…
لكن ﻻ عليكم ، فلكل شيئ موعد ؛ فها أنا ذا كنت أتمنى أن أجد وقتا ﻷقرأ صفحة واحدة من أي كتاب من أسافير الجمال التي اشتريتها مسبقا …الآن ﻻ شيء لي سواها فلا عمل لدي ، جل ما أفعله هو أن التنازع بين (شهوتي) القراءة والكتابة …أنتم كذلك ﻻبد أنكم يوما ما ستجدون الوقت المناسبة لممارسة جنونكم …حتما سيأتي ذاك الصباح ويسعدكم كما أتاني أنا اﻵن صدفة وبعد طول غياب.
– أعتقد أنتم اليوم سعداء ؛ ﻻ أعرف لماذا ولكن أشعر بذلك …فأحيانا الإنسان يرى فقط من زاوية شعوره هو ، ويعمم إحساسه على العالم …ﻻ تبحثوا عن (صباحكم ) …ﻻ تنتظروه ، ﻻ تأجلوا ﻷجله شيء …عيشوا حياتكم بتعاستها …بفرحها …حزنها وبتغلباتها …يوما ما ستفاجأ بأنك سعيد وتشعر بأنك تحلق وأنت على كون آخر تتمنى لو أن تقسم سعادتك عليهم ….هذا الصباح مختلف …هذا اليوم جديد … هذا النهار سعيد …. هذا المساء بهي ..ذاك الليل رائع … جميعها أيامنا كم سنعيش ؟
هل أحدكم يملك الإجابة ؟
لذلك فلنبني جسر السعادة والفرح من عدم ؛ فلنصنعه داخل أنفسنا وحتى وإن لم نجده في الخارج ، دعونا نصطنع السعادة ، نتمثل الانتشاء …ندعي السعادة …
صديقي …عزيزي ….
” إبتسم فكلنا راحلون” .
ملحوظة :
هذه المساحة هي فقط محاولة للخروج عن الروتين وأن الكاتب بحمد الله لم يمسه شيء من الجن حتى ترونه يدعو لشيء ليس في مكانه …كما أنه والمنة لله يعيش نفس روتينه المميت ، وليس ثمة شيء جديد .