الاغتراب عن الوطن يساهم في تعزيز التنمية البشرية وتنمية المجتمعات المصدرة والمستقبلة إذا ما توافرت البيئة المناسبة والأفكار المحفزة إضافة إلى المساهمة في نقل الخبرات والمهارات والأفكار المكتسبة من بلدان المهجر إلى الوطن الام ، تلك عبارات خصني بها أحد الأصدقاء أثناء حديثنا عن دور المغترب في كيفية النهضة ببلده أو منطقته الريفية بدون انتظار ما ستفعله الحكومة من خدمات لأهل المنطقة المحتاجة ، لقد جاء في بالي بعد حديثنا الشيق هذا ، جملة “يمكنك أن تصنع أي شيء من النجوم ” من الفيلم الهندي الانساني المؤثر والمتميز جدا الذي يجعلك تفكر في الآخرين وبمختلف الطرق المختلفة “سودايس..Swades“ الذي يعني بالعربية “نحن الشعب”.
سواديس الذي صدر في 17 ديسمبر 2004 يحكي عن “موهان” الذي قام بدوره أسطورة السينما الهندية “شاروخان” ، الذي يعمل مدير لأحد المشروعات في وكالة ناسا الفضائية ، يعود إلى الهند بعد 20 عاماً ليبحث عن مربيته “كاڤري” التي تسكن في قرية في الهند فيستصدم بواقع القرية التي تعاني من مشكلات عديدة “إقتصادية و إجتماعية وتعليمية ومشكلة انقطاع الكهرباء “ فيقرر أن يساهم بأبسط أفكاره في تحسين وضع القرية ، فيساهم في مشروع تعليم الفتيات وينفذ مشروع توليد الكهرباء للقرية ويحول القرية من الظلام إلى النور، يعتبر فيلم “سواديس” ملهم لكثير من المغتربين خارج الهند .
بمجرد أن نزل موهان إلى مطار الهند، بدأت كاميرا المخرج تصور مشاهد أخرى لم نتعودها في الأفلام الهندية التي تهدف إلى جذب المشاهد وإمتاعه. من الواضح أن المخرج حرص على أن يصور الهند “الحقيقية” من دون رتوش، أو تعديلات، أو رقص وألوان. فالشوارع باهتة، والأشخاص عاديون جداً، بملابسهم التقليدية الهندية، الفتيات لسن ملكات جمال والرجال ليسوا مفرطي الأناقة. وتظهر هذه الصور واضحة في رحلة موهان إلى قرية “جرانبور” التي سافر إليها في سيارة كبيرة “بيت متنقل”. وتنقل الكاميرا أثناء تلك الرحلة لقطات واقعية جداً من طبيعة الهند، وعفوية البسطاء فيها. ومنذ البداية نكتشف كمشاهدين مع موهان المشكلات التي تعاني منها القرية، فلا توجد خدمات متطورة للاتصالات من بريد أو انترنت، علاوة على الانقطاعات المتكررة للكهرباء. وفي مجلس لوجهاء القرية يحضره موهان، تسلط الضوء على مشكلات أخرى اجتماعية منها مدرسة القرية ذات المبنى الصغير التي تفتقر لأبسط التجهيزات، التي يعزف الأهالي عن إرسال أطفالهم إليها، والمشكلات “الطائفية” بين أهالي القرية الذين ينتمون إلى طائفتين مختلفتين.
ولم يخلو الفيلم من مشاهد كوميدية، وخصوصاً في نقله لواقع أهل القرية وحياتهم، و من أكثر هذه المشاهد إتقاناً الحوار الذي دار بين موهان ورجالات القرية (الوجهاء)، وهو يشرح لهم طبيعة عمله في أميركا، ولأنهم لا يعرفون ما هي وكالة “ناسا” بالضبط، اكتفى بشرح عمله كمهندس بشكل مبسط لرجال لا يعرفون ماذا تعني كلمة مركبة فضائية، وبعد الشرح المبسط أعلن “الوجهاء” بفخر أن عمله لا يعدو أن يكون مشابهاً لعمل أحد فتيان القرية الذي يتنبأ بالطقس بوقوفه على برج “عال” من أبراج القرية وذلك بمقاييسهم طبعاً البسيطة.
وتصل ذروة الرسالة التي يريد الفيلم أن يوجهها، في الليلة التي يقرر فيها مجلس القرية أن يعرض فيلماً سينمائياً للأهالي، فيتجمعون في ساحة كبيرة، تتوسطها قطعة قماشية كبيرة معلقة بالحبال، يجلس الأطفال والكبار معاً القرفصاء على جانبيها، شاخصين بأبصارهم عرض فيلم هندي شهير “في الهواء الطلق” غير أن انقطاع آخر للكهرباء يعكر صفو مشاهدتهم. وفي الوقت الذي ينتظر فيه المجتمعون عودة الكهرباء ومواصلة الفيلم، ينهض “موهان” ليغني مع الأطفال كلمات شكلت رسالة الفيلم، ففي تلك الليلة المظلمة التي تجمع الأهالي فيها في العراء، كان موهان يقول: “تطلع للسماء، للنجوم… نجمة، نجمتين، يمكننا أن نصنع أي شيء من النجوم اللامعة”.
الأغنية تحمل بين طياتها مغزى الفيلم كله، وخصوصاً عندما وقف الأطفال صفاً واحداً يرددون تلك الكلمات، فكل منهم نجمة، لو اتحدت مع الأخرى، يمكن أن تغير أي واقع، مهما كان مؤلماً.تنحرف الأحداث بعدها بموهان ليحاول أن يغير واقع تلك القرية البائسة مستخدماً علمه، فيوحد جهود أهل القرية البسطاء، رجالاً ونساء وأطفالاً، لبناء وتوصيل خراطيم كبيرة للمياه عبر الجبال، مستفيداً من اندفاع المياه فيها في توليد الطاقة الكهربائية للقرية بأسرها، بعد أن يئس أهلها من استجابة المسئولين لطلباتهم.
“سواديس Swades “ هو عنوان هذا الفيلم الذي قام ببطولته ببراعة الممثل الهندي “شاروخان”. والفيلم الذي يعني عنوانه بالعربية “نحن… الشعب” يحمل ضمن ثناياه معاني وطنية، إنسانية، وشعبية كبيرة وقيمة، ساقها مخرج العمل “أشوتوش غواريكر” بشكل درامي متميز وممتع جداً، متحديا بذلك كل من يتهم الأفلام الهندية بالسخافة وسطحية المحتوى.
تم ترشيح سواديس ل23 جائزة وفاز ب13 جائزة ، منها جائزة الفيلمفير لأفضل ممثل “شاروخان” و أفضل مخرج “أشيتوش جواركر” والجائزة الوطنية الهندية لأفضل موزع موسيقي “أي آر رحمان” وغيرها وتم تصنيفه كأفضل فيلم في عام 2005. فيلم سواديس واحد من أفضل أفلام بوليوود على الإطلاق ، فهو بالفعل ضمن قائمة أفضل 10 أفلام في تاريخ بوليوود على موقع IMDd ، وحصل على تقييم 8.2 من 10 على نفس الموقع.
ربما كانت فكرة سواديس بسيطة وغير معقدة ، إلا أنها نفذت بحرفية ورؤية عاليتين، ونقلت واقعاً حقيقياً تكاد تلمسه وأنت تشاهد الفيلم، لتشعر بأنك تعيش هناك في تلك القرى النائية من قرى الهند أو مختلف القرى البسيطة في العالم أجمع.هذا العمل يجعلك تتسائل كمغترب بالارادة والعزيمة تستطيع أن تجعل من أي شئ بسيط وبخبرتك التي اكتسبتها في غربتك إلى منفعة ومشاريع تفيد بلدك وقريتك الريفية وتجعل من كلمة “حنبنيهو” واقعا ملموسا.
Copyright secured by Digiprove © 2021 Ashraf Eltom