موكب نقل المومياوات

تقرير : مأوى عبدالعزيز و نعمات أحمد | مجلة السودان

في حدث نادر وموكب ذهبي أو كما يقال أسطوري تشهد اليوم شوارع القاهرة موكب نقل المومياوات إلى متحف الحضارة في الفسطاط، هذه المومياوات البالغ عددها ٢٢ مومياء ملكية، منهم ١٨ ملك و٤ ملكات سيراها العالم اليوم في رحلة عبر الزمن يرجع تاريخها إلى ما قبل الميلاد تتجسد في شكل موكب مهيب لا مثيل له.


خطوط عريضة عن المومياوات التي سيتم نقلها :-
المومياوات الملكية التي سيتم نقلها تم إكتشافها في خبيئتين. الخبيئة الأولى هي خبيئة الدير البحري داخل مقبرة في الجبل في الدير البحري غرب الأقصر تم الإعلان عنها في عام ١٨٨١، وأما الثانية فكان إكتشافها في عام ١٨٩٨ في مقبرة أمنحتب الثاني بوادي الملوك في الأقصر ، وتعد مومياء الملكه سقنن رع هي أقدم المومياوات في الموكب ويعتبر سقنن راع هو أول من بدأ حرب التحرير ضد الهكسوس “وهي سلالة أجنبية حكمت أجزاء من مصر لفترة من الزمن” وابنه الملك أحمس هو الذي إستطاع أن يطرد الهكسوس وهو أيضا مؤسس الأسرة ال١٨ والدولة الحديثة.

 

وبقية الملوك والملكات ينتمون للدولة الحديثة أمثال الملكة أحمس نفرتاري وابنها أمنحتب الأول، ومومياء الملكة حتشبسوت صاحبة المعبد الشهير في الدير البحري في الأقصر الذي يعتبر معجزة معمارية. ومن المشاركين أيضاً في الرحلة الذهبية مومياء الملك تحتمس الرابع أحد أهم حكام مصر على مدار تاريخها وقائد عسكري وعبقري.

إضافة إلى أن  تحتمس الرابع هو الذي وضع لوحة على تمثال أبو الهول في الجيزة، تليه مومياء أمنحتب الثالث  وهو أحد الملوك الذين حافظوا على إستقرار ورخاء البلاد طول فترة حكمه، وزوجته الملكة النوبية تي الملقبة بالسيدة العظيمة جدة توت عنخ آمون صاحب التابوت الذهبي الشهير (قناع توت عنخ آمون) وهي التي أنجبت له الملك الشهير أمنحتب الرابع المعروف بإسم أخناتون. وفي الموكب أيضاً مومياء الملك سيتي الأول أو (ساتي في نطق آخر) الذي إشتهر بمقبرته المنحوتة بالجبل وتعد من أجمل المقابر في وادي الملوك، ويخلفه أيضا الملك رمسيس الثاني الذي حكم مصر ٦٧ سنة وهو صاحب أول معاهدة سلام موثقة في تاريخ البشرية ومن أهم آثاره معبد أبو سنبل الكبير،ثم تأتي مومياء الملك رمسيس الثالث وهو ثاني ملوك الأسرة العشرين إشتهر بأنه أعظم الملوك الذي إستطاع أن يحمي مصر من غزو شعوب البحر.


لماذا سيتم نقل المومياوات من متحف إلى آخر؟
سؤال يطرحه الكثيرين.. ولعل إيمان المصريين القدماء بالروح وخلودها والحياة الأبدية بعد الموت؛ الشيء الذي أدى إلى إبداعهم في حفر وتزيين مقابرهم  وفي فنون التحنيط وحفظ المومياوات.. فهذه المقابر تحمي المومياء لأنها مساكن الأرواح في إعتقادهم، وأن نزيلها الصامت لا يدركه الدمار ما بقيت بقاياه مصونة  فعليه يصبح في هذا الصدد التركيز على حفظ المومياوات في مكان أفضل وبشكل يليق بحضارتهم.

وتبدأ رحلة الموكب من المتحف المصري في ميدان التحرير في قلب العاصمة العريقة القاهرة والذي تم إفتتاحه عام ١٩٠٢ ويعتبر من أهم وأشهر المتاحف في العالم يضم أكثر من ١٠٠ ألف قطعة أثرية تحكي تاريخ الحضارة المصرية.. تتوجه رحلة الموكب من المتحف المصري بمحاذاة النيل صوب متحف الحضارة المصرية ويمر خط سير الموكب أولاًبميدان سيمون بوليفار، ثم كورنيش النيل حتى حي السيدة زينب، وأخيرا إلى مصر القديمة وحتى منطقة الفسطاط ومتحف الحضارة.
نبذة عن متحف الحضارة وأهم التجهيزات لعملية النقل :-
يقع المتحف بالقرب من حصن بابليون ويطل على عين الصيرة في قلب مدينة الفسطاط التاريخية بمنطقة مصر القديمة بالقاهرة.

تم وضع حجر الأساس في عام ٢٠٠٢م ليكون هذا المتحف واحداً من أهم وأكبر متاحف الآثار في العالم، وهو أول متحف يتم تخصيصه لمجمل الحضارة المصرية؛ حيث ستحكي أكثر من ٥٠ ألف قطعة أثرية مراحل تطور الحضارة منذ أقدم العصور حتى العصر الحديث. وسوف تعرض مقتنيات المتحف في معرض رئيسي دائم يتناول أهم إنجازات الحضارة المصرية، بالإضافة إلى ستة معارض أخرى تتناول موضوعات: الحضارة، والنيل، والكتابة، والدولة والمجتمع، والثقافة، والمعتقدات والأفكار، بالإضافة إلى معرض المومياوات الملكية. وسيتضمن المتحف أيضاً مساحات للمعارض المؤقتة، فضلاً عن معرض خاص بتطور مدينة القاهرة الحديثة. وقبل عملية نقل هذه المومياء إلى هذا المتحف قامت وزارة السياحة والآثار المصرية بخطوات هامة تهدف ضمان عملية نقل المومياوات بشكل مثالي وحديث جداً ، ولأول مرة يقوم بعملية الحفظ فريق أثري علمي مصري خالص من خبرات شباب وزارة الآثار، كما أكد دكتور مصطفى إسماعيل المسئول عن مشروع التغليف والحفظ أنه تم تشكيل عدة فرق عملية لتنفيذ هذا المشروع فالفريق الأول كان فريق أثري علمي من المتحف القومي للحضارة لفحص المومياوات وإعداد خطة النقل وتحديد المواد المستخدمة وفحصها، وأما الفريق الثاني خصص للتأكد من وجود أي إصابات بيولوجية كإجراء إحترازي، والثالث كان فريق علمي للفحص بالأشعة المقطعية يليه فريق  للصيانة من المتحف القومي للحضارة ، وأخيراً بعد هذا كله تم وضع هذه المومياوات داخل كبسولة من النيتروجين بالإضافة إلى وسائد مصنوعة من مواد طبيعية لا تتفاعل مع مواد التحنيط بالمومياء، كما وضع المرممين دعائم في الأماكن الضعيفة لكل مومياء.


ومثلما حرص المصريين القدماء على تحنيط المومياوات الملكية بإتقان شديد إستمر أحفاد الفراعنة إلى يومنا هذا في الحفاظ عليهم وعرضهم بالشكل الذي يليق بعظمة حضارتهم وسط إحتفالات بعربات حربية تجرها الخيول على الطراز الفرعوني، وكل عربة مزينة تحتوي على اسم كل ملك من ملوك الفراعنة، و في جانب التغطية الإعلامية سيتم نقل هذا الحدث على أكثر من ٤٠٠ قناة تلفزيونية محلية وعالمية لحظة بلحظة ، و بحضور ٢٠٠ مراسل دولي كما سيتم ترجمة عملية النقل هذه إلى ١٤ لغة مختلفة، فيما صرحت وزارة السياحة والآثار المصرية عن إتاحة مساحة إعلانية في عدد من وسائل الإعلام الأجنبية من أجل الترويج للسياحة المصرية في الخارج. وسينطلق الموكب في تمام الساعة السادسة مساء السبت الموافق الثالث من أبريل، ومع تحرك المومياوات ستطلق المدفعية ٢١ طلقة في الهواء وتخرج العربات واحدة تلو الأخرى في ظلام تام من أمام بوابة المتحف بشكل دائري متجهة إلى ميدان التحرير، وسيتم إجراء تصوير جوي لهذا الحدث العظيم الذي سيشهده العالم أجمع .

Related posts

متحف محمد نور هداب

المواجهة المتأخرة بين الواقع التاريخي والتزوير الحديث

مدينة قيسان

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. أقرا المزيد...