لا يكتمل الحديث عن الحقب التاريخية في منطقة ما، إلا بالحديث عن أقدم آثارها الدينية، والتي شكلت النواة الأقوى لازدهارها عبر التوجه الديني المحلي الذي يميزها عن غيرها.
وبالحديث عن منطقة وادي النيل بمسمياتها مصر العليا (بلاد النوبة من جنوب الخرطوم إلى أسوان)، ومصر السفلى (مصر الحالية)، نجد أن أشهر الآلهة أو أشهر تجسيدات الآلهة القديمة هي (آمون) و (حتحور _ هاتور).
وبالرجوع إلى آمون فنجد أن عبادته الأولى نشأت في معبد البركل، والذي وجدت من أجله كهنة آمون، حيث لا يعد الفرعون ملكا إلا بعد تتويجه ومباركته من كهنة آمون، وقد شهد معبد آمون الأقدم في جبل البركل بشمال السودان عدة عمليات توسعة من قبل عدة ملوك منهم تحتمس الثالث، ورمسيس الثاني، والملك العظيم بيعانخي، وترجع أكبر توسعة إلى الملك النوبي نتكاماني أو “نت كا امن” وكذلك نجد لآمون مركز عبادة كبير في طيبة والتي تمثل منطلقا لحكام النوبة والسودان في صدهم لهجمات الغزاة على الدلتا ومصر السفلى من أعراق أورو اسيوية وغيرهم.
كما نجده مذكوراً أيضاً في متون الأهرام التي ترجع إلى عصر الملك (اناس_من الأسرة الخامسة)، ويظهر آمون في هذه المتون كرمز للقوة الخالقة، وبالرجوع إلى اسمه ونطقه ذكر العلماء أن حروفه وترتيبها معروفة وظاهرة لكن طريقة نطقها عسيرة بالنسبة لهم، وهذا أمر طبيعي لعدم إلمامهم باللغة النوبية الفرعونية القديمة لشعب وادي النيل، وبالطبع فقد كانت الهيروغليفية القديمة تستخدم الحروف الصوامت فنجد أنه كان يكتب باللفظ (امن)، ونتعجب هنا كيف أغفلوا الرجوع إلى اللغة النوبية التي مازالت تستخدم فيها هذه الكلمة وبنفس نطقها (امن) والتي تعني الماء في تجسيد لسر الحياة.
ولآمون أيضا معابد عديدة في مختلف أنحاء وادي النيل، كمعبد عمارة، ومروي، والنقعة، كما نجد أن اسم امون متواجد في الكثير من أسماء الملوك في وادي النيل بالسودان منهم تانوت اماني _ اركيماني _ اماني ريناس _ اماني شاخيتو _ اماني تيري _ نتكماني _ امنتحتب _ توت انخ امون _ وغيرهم، ونلاحظ هنا عدم تيقن العلماء من اللفظ الأدق لكلمة (امن) فنطقوه حيناً امون، وحيناً آخر اماني، ولكن بالرجوع للغة النوبية أقدم لغة مستمرة على طول الشريط النيلي لحضارة وادي النيل فنطقها هو (امن).
أما الإلهة حتحور أو هاتور فهي آلهة للحب والسعادة والخصوبة، فنجدها قد رسمت أو نحتت تارة على هيئة بشرية، وتارة على هيئة بقرة، وتارة أخرى وهي الأكثر شهرة لها بوجه مثلث لها ملامح بشرية وأذني بقرة.
ولحتحور اسم قديم هو ”بات”، وقد وجد منحوتاً على لوحة مينا “نعرمر” موحد القطرين والذي بالأساس أتى من الجنوب أي مصر العليا وهي كما نعرف بلاد النوبة والسودان، وهو أحد الملوك العظماء الذين استعادوا مصر السفلى من الغزو الأجنبي الأوروآسيوي.
أما أشهر معابدها في معبد دندرة، ويرجع نظام هذا المعبد إلى عهد الملك خوفو، وكذلك شهد المعبد عملية ترميم كبيرة في عهد الملك بيبي الأول، وكذلك نجد لهاتور محراباً جميلا في معبد حتشبسوت والذي يرجع تاريخ بناءه للأسرة الثامنة عشر.
وتتميز ملامح حتحور أو هاتور بأنها ملامح كمتية خالصة، ونجد أن أقرب الملامح التي تطابق الملامح الكمتية القديمة هي النوبية الحالية، وللناظر بعين الجمال دهشة في دقة نحت وتصوير قدماء وادي النيل لألوانهم الكمتية وملامحهم المميزة التي لا تشبه شعباً آخر سواهم.