موارد مهوّلة ومهدورة 2
بقلم : يزيد عبدالله الهواري
في بلد تجد فيه البيوتات الصغيرة تسعي فيه غنما ومرعى، ضأن وأبقار وكثير من الدواجن، وكل هذا بسبب البيئة الطبيعية المساعدة على ذلك بالإضافة لطبيعة سكان البلد؛ أجل إنه السودان الدولة الافريقية التي وصفتها وكالات عالمية بأنها البلد الغني بالثروات التي يمكن أن تكون كفيلة بأن تجعله من الدول الغنية والمتطورة، والمصدر لدول أخرى كثيرة. وجاءت الأحصائيات التي أُجريت أن السودان يملك أكثر من ١١٠ مليون رأس من الماشية، منها ما لا يقل عن ٣٠ مليون رأس من الضأن، في مساحات شاسعة من المراعي الطبيعية وموارد المياه حول مدن وقري السودان المختلفة. إلا أن حجم الصادرات مقارنة بهذه الأعداد زهيد جدا وفق البيانات الرسمية.
ويأمل المواطن والدولة عموما على قطاع الصادرات، كأحد روافد النقد الأجنبي الشحيح، والذي تسبب في هبوط حاد في العملة المحلية. وعلى الرغم من عدم الإهتمام الحكومي، إلا أن هذا القطاع يساهم بحوالى ٢٠ في المائة من إجمالي الناتج القومي و٥٢ بالمائة من جملة ناتج القطاع الزراعي، حسب الإحصائيات الرسمية.
ومثل كثير من الثروات الطبيعية في السودان المهدرة ، تواجه الثروة الحيوانية معوقات تحول دون الاستغلال الأمثل لها، منها فرض رسوم على نقلها بين الولايات المختلفة، بالإضافة إلى فرض رسوم على تصديرها، وإنتشار التهريب عبر الحدود، والإهمال البيطري، فضلا عن أن هنالك نسبة كبيرة من التصدير تكون في شكل ماشية حية، مقابل نسبة قليلة من اللحوم لعدم وجود مسالخ متطورة، ما يفقد القطاع قيمة مضافة يمكن أن تدر عائدات أكبر له.
وقد تقدم المنتجون والمصدرون في وقت سابق بمذكرة، إشتملت على العقبات والحلول التي تواجه قطاع الثروة الحيوانية، وأشاروا خلالها إلى أن الممارسات السابقة أفقدت البلاد نحو ملياري دولار سنوياً من قيمة الصادرات، فضلا عن أكثر من ٢٥٠ مليون جنيه محليا في ظل الرسوم المتعددة المفروضة داخليا، أبرزها نقل الماشية من ولاية إلى أخرى.
وصدّر السودان في الربع الأول من العام الماضي ٢٠١٩م ثروة حيوانية تقدر بنحو ٤٠٠ مليون دولار، لكن هذا العام تلاشي هذا الرقم وذلك بسبب جائحة كرونا التي ضربت العالم وأوقفت حال أقتصاد كثيرا من الدول ناهيك عن الصادر الذي قد تمت إعادته مؤخرا.
عقبة تصدير اللحوم
وتقول مصادر أن هنالك خطة موضوعة من قبل الوزارة تستهدف زيادة الصادرات إلى ٦ ملايين رأس حي وحوالي ٣٠ ألف طن من اللحوم بنهاية العام الجاري، بعد إدخال مسالخ جديدة.
كما إن هناك رؤية لرفع مساهمة هذا القطاع في الاقتصاد بزيادة الصادرات من الحيوانات الحية وصادرات اللحوم، إذ تصدّر حاليا نحو ٥ ملايين رأس في العام، بل يوجد هدف لتصدير لحوم لرفع القيمة المضافة.
وذلك لتحقيق هدف تصدير اللحوم، ويقول المصدر : من المنتظر دخول ثلاثة مسالخ العمل قريباً، فهي ما تزال قيد الإنشاء، بينما نصدّر حاليا من مسالخ شبه غير مطابقة للمواصفات المطلوبة، ورغم ذلك وصل حجم صادرات اللحوم إلى حوالي ٢٠ ألف طن، العام الماضي .
والسودان يُسمى “دولة الضأن” ووفق البيانات الحكومية فإن حوالى ٤٠ في المائة من السكان يمتلكون ثروة حيوانية، وما يتراوح بين ٦٠ في المائة و ٨٠ بالمائة من المجتمع يعتمد في سبل كسب عيشه على هذه السلعة.
ورغم هذه المقومات ظلت الثروة الحيوانية، قطاعاً هامشياً في خطط الحكومات المتعاقبة، حيث تسيطر الطريقة التقليدية على نمط تربية المواشي. ولم تتجه الحكومات السابقة لإنشاء مزارع حديثة لتربية الماشية، باستثناء مسلخ وحيد، و تنعدم المسالخ الحديثة التي تساعد في تصدير اللحوم وفق المواصفات والاشتراطات الصحية العالمية.
فقدان ٦ مليارات دولار
ووفق بيانات رسمية صادرة عن وزارة الثروة الحيوانية، في وقت سابق من العام الجاري، فإن الطرق التقليدية التي لا يزال عليها القطاع تفقد الدولة سنوياً موارد لا تقل عن ٦ مليارات دولار، تتمثل في عائدات لصادرات الجلود واللحوم والمواشي الحية.
ووضع القطاع مشوه من حيث تدّخل الانظمة الحاكمة فيه سابقا ، مما أدي إلى تراجع مساهمته الاقتصادية.
وساهم شكل نظام الحكم الإتحادي، الذي أعطي الولايات حق فرض رسوم علي القطاعات الإنتاجية، في إحداث تشوهات في الموارد السودانية، مثل الجبايات التي أسهمت بشكل مباشر في رفع الأسعار، ما أخرج السودان من المنافسة العالمية في تصدير منتجاته. وتمتاز ثروتنا الحيوانية بالمراعي الطبيعية، وهذه الخصائص يجب أن نتمسك بها، بل يجب أن نوفر المزيد من المراعي من أجل زيادة الإنتاج وتحسينه.
حلول يجب إتباعها.
لهذا قطاع الثروة الحيوانية يحتاج إلى حلول متكاملة من حيث الإنتاج والترحيل (النقل) والرسوم، كما يجب علي البلاد العمل علي إضافة الصناعات التحويلية التي تمكن الاستفادة من مشتقات الألبان والجلود التي تصدر مادة خاماً، مما يزيد من القيمة المضافة وبالتالي تزيد العائدات الدولارية للبلاد.
تراجع المنافسة في الأسواق.
ورغم التوجيهات السابقة بتوحيد الرسوم الحكومية المفروضة على صادرات الماشية، لكن شكاوي المصدرين لم تتوقف، حيث أكدوا لا يزال إستمرار العمل بها، ما يلحق بهم الضرر، حيث تتقلص قدرتهم على المنافسة في الأسواق العالمية.
وبهذه الإشكاليات المتنوعة والممنهجة نجد أن مواردنا مهولة ومهدورة.