من يمتلك (ملك) ؟
ملك.. باخرة «كتشنر» تواجه مصيراً مؤلماً
اندهشت.. وتحسرت، وتألمت عند مشاهدتي لهذا الكنز الاثري التاريخي المهم الذي تتقاذفه امواج الاهمال ويغوص داخل طين النيل الازرق.. قطعة اثرية نادرة تمثل حلقة مهمة من تاريخ السودان.. لكنها للأسف مكتومة الانفاس بطبقات طين النيل الازرق اليابس الذي غاصت داخله داخل نادي الزوارق بالخرطوم، لتظل في مكانها لأكثر من (21) عاماً.. الباخرة «ملك» هي واحدة من الاسطول البحري الحربي الذي دخل به كتشنر السودان، وقصفت منها قبة الامام وحسمت معركتي كرري وشمبات في طريقها للزوال بسبب
الاهمال واللا مبالاة بآثارنا القومية، وطمع الطامعين الذين حاولوا اخذ بقايا حديدها الصدىء.. ما حكاية الباخرة «ملك»؟.. وكيف وصل بها الاهمال لهذا المصير المؤلم لتتحول الى مجرد خردة بحرية، ومخزن للاثاث المتهالك؟
جمعية ملك البريطانية حاول الانجليز استعادة الباخرة الاثرية ونقلها إلى انجلترا لصيانتها، لايمانهم القاطع انها كنز اثري تاريخي نادر، بل تكونت جمعية في بريطانيا باسمها (جمعية ملك)، (The Melik Society)، لتكون من مجموعة من اللوردات الاثرياء، وعدد من الضباط الانجليز الذين شاركوا في حملة كتشنر أو احفادهم، حيث خاطبت الجمعية السفارة السودانية بلندن، بخطاب بتاريخ 19 يوليو 2000م مشيرة الى انها ترغب – من خلال اهدافها – ترميم الباخرة والمحافظة عليها باعتبارها من القطع الاثرية البحرية النادرة تم عرضها على نهر (التيمس) في لندن مقابل بعض الضمانات، وبتاريخ 11 أغسطس 2000م بعثت السفارة السودانية بلندن خطاباً بالرقم (س2/1/50) الى السيد وكيل وزارة العلاقات الخارجية لعناية السيد مدير ادارة الشؤون الادارية، وكان موضوع الخطاب (الباخرة ملك).. هذا نصه:
التاريخ 11 جمادي الأولى 1421ه الموافق 11 أغسطس 2000م
السيد/ وكيل وزارة العلاقات الخارجية لعناية السيد مدير إدارة الشؤون الاوروبية السلام عليكم ورحمة الله، الموضوع: قضية الباخرة ملك نرجو ان نرفق لكم طيه خطاب جمعية ملك (The Malik Society) بتاريخ 9 يوليو 2000م ومرفق معه خطاب للسيد رئيس الجمهورية حول موضوع الباخرة ملك الراسية على شاطيء النيل الازرق والمستخدمة حالياً كنادي للزوارق البحرية.
1- الباخرة ملك كانت اكثر الاسلحة تطوراً في جيش كتشنر الغازي للسودان في العام 1898م، وقد تأسست هذه الجمعية في بريطانيا في العام 1994م، كجمعية خيرية تهدف الى اعادة ترميم الباخرة والمحافظة عليها (حيث غلب على هيكلها الصدأ) وذلك باعتبارها من القطع الاثرية الحربية النادرة ويشرف على هذه الجمعية حالياً حفيد الجنرال كتشنر، كما تهدف الجمعية – وعلى حد زعمها – الى جذب انتباه الرأي العام البريطاني للعلاقات التاريخية الطويلة بين السودان والمملكة المتحدة وتشجيع مجالات البحث في الفترة التاريخية الممتدة من (1883 – 1899) بالتعاون مع السلطات السودانية، اضافة لتأسيس قاعدة معلومات عن التاريخ العسكري للسودان في المملكة المتحدة.
2- بدأت اتصالات ومكاتبات الجمعية مع السلطات السودانية المختصة حول هذا الموضوع منذ العام 1995م، بهدف اعادة الباخرة ملك لصيانتها ومن ثم عرضها على نهر التيمس في لندن وذلك مقابل العرض والضمانات التالية:
أ) ان تظل ملكيتها باسم حكومة السودان وبالتالي يمكن لحكومة السودان اعادتها للسودان بعد فترة زمنية محددة يتفق عليها الطرفان.
ب) في فترة رسوها في لندن يمكن لحكومة السودان استخدام الباخرة ملك للاغراض الثقافية والتجارية.
3- كانت الهيئة القومية للآثار في السودان قد رأت من قبل ان تكون الأولوية لصيانة هذه الباخرة التاريخية وليس لعرضها للاغراض السياحية في بريطانيا، واقترحوا من جانبهم استئناف المفاوضات حول هذا الموضوع في اطار اتفاق جديد مع المتحف البريطاني يتصل باقامة معرض للآثار في بريطانيا خلال العام الجاري، ولعل الذي يؤرق الجانب السوداني في هذا الموضوع هو ضمانات عودة الباخرة الى السودان من جديد.
4- جدير بالذكر ان الجمعية بصدد ارسال وفد منها لزيارة الخرطوم نهاية هذا العام، كما تشير الرسالة المعنونة للسيد رئيس الجمهورية والتي يرجون فيها سيادته التدخل لتسهيل عملية ابرام اتفاق نهائي حول هذا الموضوع اثناء الزيارة المرتقبة. 5
– ومع تقديرنا للاهتمام البريطاني الشعبي بموضوع هذه الباخرة إلا اننا ما زلنا نرى ان تكون الاولوية لصيانة هذه الباخرة وان نرحب بأي مسعى بريطاني للمساعدة في ذلك ولكن دون الدخول في إلتزام باستقدام الباخرة أو عرضها في بريطانيا مقابل ذلك.
6- للتكرم باحالة نسخة من الرسالة للهيئة القومية للآثار لدراستها قبل وصول الوفد المعني واحالة الخطاب لمكتب السيد رئيس الجمهورية. وتفضلوا بقبول وافر الاحترام. مبارك محجوب موسى ع/ السفير الآثار الولائية توجهت الى رئاسة الآثار الولائية بأم درمان لمعرفة وجهة نظرها في الباخرة «ملك» وما لحق بها من اهمال، فالتقيت السيد بشرى أحمد اسماعيل – مدير الادارة العامة للآثار والمتاحف، وزارة البيئة والآثار – تناقشت معه طويلاً عن مصير «ملك».. سألته اولاً: الجمعة الماضية تجولت داخل الباخرة «ملك» بنادي الزوارق بشارع النيل الخرطوم، حقيقة اندهشت للاهمال الذي يحيط بها، لدرجة انها تحولت الى مكاتب، والجزء الاسفل تحول الى مخزن تتكدس داخله الكراسي الهالكة.. ما تعليقكم؟ – اجاب: نسعى حالياً مع الهيئة القومية للآثار للوقوف على امرها. ? وماذا فعلتم انتم كادارة ولائية للآثار لحماية الباخرة؟ – الأولوية لنا كادارة آثار ولائية التحرك لحماية بعض المواقع الاثرية التي لا تقبل التأجيل، مثل آثار سوبا التي تكرر الاعتداء عليها، أما الباخرة «ملك» فهي ثابتة في موقعها ويمكنها الانتظار. ? وكيف سمحتم كادارة للآثار بولاية الخرطوم بتحويلها الى مكاتب ومخزن بواسطة نادي الزوارق؟ – نادي الزوارق لا يرفض تسليم الباخرة بل يطالبون بالتعويض، ولذلك فهم يستخدموها بالاسلوب الذي يرغبون فيه. ? ولكن، ألم تؤول الباخرة للآثار حسب قانون المائة عام؟
– العملية معقدة، والجهة التي تؤول إليها الباخرة اعتقد انها ليست بالأمر المهم، بل المطلوب الآن صيانتها والنظر لحالتها الراهنة. ? هل ابدى المتحف الحربي رغبته بضم الباخرة للمتحف؟
– المتحف الحربي لديه رؤية بضمها إليه على اساس انها (تراث حربي) بينما الهيئة القومية للآثار ترى انها تراث اثري يتبع للآثار المهدية. لجنة قومية ? لماذا تم رفض جمعية «ملك» البريطانية بنقل الباخرة الى انجلترا لصيانتها هناك؟ – صدر قرار من رئيس الجمهورية بعدم خروج الباخرة من السودان، وتم تكوين لجنة قومية للباخرة ممثل فيها: هيئة الآثار ونادي الزوارق ومدير النقل النهري وممثل لهيئة الموانيء البحرية عمر النور وممثل لجمعية «ملك». ? وما هي القرارات التي خرجت بها اللجنة؟ – قامت اللجنة بدراسة لتخليص الباخرة «ملك» من الطين وصيانتها، وازالة الجزء الاسفل الذي يعلوه الصدأ ووضع حديد جديد بديلاً له. ? كم تبلغ تكلفة صيانة الباخرة، حسب ما توصلت إليه اللجنة؟ – حوالي (3) ملايين جنيه سوداني. ? ما هي الجهة التي رفعت إليها اللجنة نتائج دراستها؟ – تم رفع الملف والدراسة الى وزير السياحة والبيئة التيجاني آدم الطاهر. ? ولماذا لم تتم صيانة الباخرة؟ – على ما اعتقد ان وزارة المالية الاتحادية لم يكن لديها ميزانية للمبلغ، فمات الموضوع. ? حسب علمي هناك لجنة ثانية تكونت للنظر في أمر الباخرة «ملك»؟ – أجل، تكونت لجنة أو هيئة برئاسة الهيئة القومية للآثار والمتاحف، ومعظم عضويتها من الهيئة واللجنة لاتزال تباشر مهامها. ? وماذا فعلتم انتم كادارة ولائية للآثار بشأن الباخرة «ملك»؟ – قمنا بادراج الباخرة كتراث ولائى ضمن آثار الدولة المهدية، بحكم انها قصفت قبة الامام المهدي والآن نحن بصدد النظر في موضوع صيانتها وتعويمها من جديد، لتكتمل بانوراما الآثار القومية للمهدية، وصيانتها صيانة كاملة. ? أين سترسو بعد صيانتها؟ – سوف توضع في نفس المنطقة التي قصفت منها قبة الامام المهدي بشاطيء بيت المال، بعد كوبري شمبات. ? وهل يشمل ذلك اعادة العتاد الحربي لها؟ – أجل سوف تعرض بكل عتادها الحربي السابق، فالمدافع الخاصة بها موجودة حالياً بمتحف الخليفة، وذلك حتى تستعيد شكلها الحربي الاصلي، وحتى يكون لها عائد اقتصادي نفكر بمنحها وظيفة، مثلاِ تحويلها الى كافتيريا عائمة تجارية حتى تعين نفسها بنفسها، وحتى لا تصبح عبئاً على اية جهة. ? من يمتلك الباخرة «ملك»؟ – المشكلة معقدة، فنادي الزوارق يملك الباخرة «ملكاً مطلقاً»، بحيث لا يستطيع بيعها. ? هل يعني ذلك ان نادي الزوارق يرفض تسليم الباخرة؟ – لا، نادي الزوارق ابدى استعداده لتسليم الباخرة، فقط يطالبون بتعويضهم بقطعة ارض تكون مقراً للنادي بدلاً عن الباخرة «ملك». ? ذكرت ان تكلفة صيانة الباخرة تصل الى (3) ملايين جنيه، كيف توصلت اللجنة الى هذا الرقم؟ – مبلغ الصيانة دقيق، تم تحديده بواسطة مهندسين من النقل النهري وهيئة الموانيء البحرية. ? كيف يبدو حال الباخرة «ملك» الآن؟ – حالتها يرثى لها، فكل الغاطس مدفون داخل الطين منذ العام 1988م حتى الآن، اي طيلة (12) عاماً، ولم يبق منه سنتمتر واحد من الحديد الذي تآكل بالصدأ، وهو يحتاج لاستبدال، والى حوض جاف للصيانة، ونحن كادارة آثار ولائية سوف ندرس حالتها من جديد، ونبحث عن جهة داعمة لأعمال صيانتها. ? لماذا لا تلجأون الى جمعية «ملك» البريطانية لصيانة الباخرة؟ – هناك بعض الاصوات التي تنادي بذلك وترى لا مانع من مناشدة جمعية «ملك» البريطانية بصيانة الباخرة داخل السودان وبقائها فيه بعد الصيانة، على ان تستغل في مناسبات السفارة البريطانية. ? وإذا رفضوا هذا العرض.. ماذا تفعلون؟ – اذا رفضت جمعية «ملك» تمويل صيانة الباخرة، يمكننا الاستعانة بخبرتهم الفنية، حيث لديهم مهندسو سفن. ? ومن أين تمول أعمال الصيانة الباهظة؟ – يمكن للدولة تمويل تكاليف الصيانة حتى تستعيد «ملك» مكانتها القديمة. ? هذا يعني ان لديكم عدة خيارات؟ – أجل فالخيارات لا تزال مفتوحة.
السائح الايرلندي صباح السبت الماضي ذهبت لتصوير غرفة كتشنر الواقعة بمقدمة الباخرة «ملك» بالطابق الثاني فوجدتها مغلقة بطبل كبيرة، فاكتفيت بتصويرها من الخارج، ثم صعدت للطابق الثالث، حيث الغرفة الخاصة بقبطان الباخرة، ويستغلها اليوم احد العاملين بنادي النيل الازرق للزوارق كسكن له، داخلها يوجد تلفاز، وسرير، والاخطر وجود بوتجاز وادوات شاي داخلها، مما يعني ان الباخرة يمكن ان تتحول الى رماد في حالة اندلاع حريق لا قدر الله، وزوال الباخرة من الوجود نهائىاً. وعلى سطح الطابق الأول شاهدت اثنين من السياح يغطان في نوم عميق، اسفل ناموسيات «انيقة»، ثالثهم، والذي كان مستيقظاً قال انهم جاءوا من ايرلندا بالدراجات الهوائية في طريقهم الى اثيوبيا، فسألته عن معرفتهم بتاريخ الباخرة التي امضوا ليلتهم عليها، فقال انها مجرد باخرة، فقلت له، لا ليست مجرد باخرة، بل انها باخرة كتشنر وهي بذلك تاريخية وأثرية فاندهش واستغرب قائلاً: اعرف كتشنر ومحمد أحمد المهدي، متسائلاً: كيف تتركون هذا الاثر التاريخي المهم وسط كل هذا الاهمال؟!??
المحرر: حسب علمي ان جمعية «ملك» البريطانية زارت السودان قبل حوالي «4» سنوات وكان في معيتهم مهندسون، وكان الوفد بقيادة لورد وقابلوا وزير الثقافة والاعلام، وابدوا رغبتهم في صيانة الباخرة داخل السودان على ان تتحمل الجمعية كافة التكاليف، بل وانهم كانوا يحملون معهم المبلغ اللازم للصيانة داخل السودان، لكن الوزير طالبهم ادخال مبلغ الصيانة بحساب الوزارة، إلاّ ان الجمعية رفضت ذلك العرض، ف (لملموا) قروشهم وغادروا السودان!!.
سؤال أخير: أين وكيف اختفت قطع السلاح الخفيف التي كانت توجد بالباخرة؟!!
———————————–
التاج عثمان في الرأي العام
13/سبتمبر/2015م ما مصير الباخره ملك الان ؟ واين هي الان ؟