هنالك حلقة مفقودة في تاريخ السودان وهي الحقبة مابعد الحضارة المروية إلى قيام ممالك النوبة المسيحية، إذ تعتبر تلك الفترة غامضة نسبةً لقلة المصادر عنها.
في القرن الخامس الميلادي وبعد سقوط مروي على عيزانا الأكسومي أسس جزء من قبيلة البجا التي استوطنت في شرق السودان حينها عرفوا (بالبليميون) أسسوا معسكراً في شمالببلاد النوبة بعداأن قام الرومان باستجلابهم كمرتزقة لحماية الحدود الجنوبية لمصر ،ولكن تمن ازالتهم على يد الملك النوبي سليكو الذي انتصر عليهم وسجل نصره في نقش بمعبد كلابشة جنوبي أسوان، كان ذلك في حوالي 500 للميلاد .
بحلول القرن السادس الميلادي أصبحت هناك تلاثة ممالك نوبية، مملكة نوباتيا التي قامت في الشمال واتخذت وقتها من فرس عاصمة لها، عرفت أيضاً بمملكة (المريس)، وتقع في النوبة السفلى تحدها مصر من ناحية الشمال وتقع جنوبها دولة المقرة، يعتقد المؤرخون أن المملكة كانت مستقلة بالفعل قبل السقوط النهائي لمملكة مروي في منتصف القرن الرابع الميلادي ، وقد دون ملك نوباتيا سيلكو انتصاراتة علي البلميين وهزيمتهم ودفعهم إلى الصحراء الشرقية، بعدها تحولت المملكة إلى المسيحية، وتقول الروايات أن نوباتيا تم دمجها في جارتها المقرة في ظروف غامضة.
أما المملكة الثانية في ذاك الزمان كانت مملكة المقرة حيث امتدت الأراضي التي قامت عليها في الوسط من الشلال الثالث حتى منطقة جنوبي أبو حمد، وشملت كذلك أجزاء من شمال كردفان. كانت عاصمتها في دنقلا العجوز، اعتنقت المسيحية في القرن السادس الميلادي فكانت من الدول القليلة في العالم التي تصدت للفتوحات الإسلامية ، التي قادتها الخلافة الراشدة، وذلك عندما هزموا المسلمين في معركة دنقلا الأولى في عام 642م، وكررت المقرة ذات اﻻنتصار في معركة دنقلا الثانية في 652م عندما حاصرت الجيوش الإسلامية دنقلا بقيادة عبدالله بن أبي السرح حتى ضربها بالمنجنيق، أظهر خلالها النوبيون بسالتهم و مهارتهم في تصويب الأسهم حتى تم فك الحصار، و قد أطلق عليهم المسلمون (رماة الحدق) و ذلك لكثرة تصويبهم في الأعين، بعدها تم توقيع معاهدة (البقط) بين المسلمين والنوبة، و استمرت هذه المعاهده نحو ستة قرون.
ازدهرت المملكة في الفترة من منتصف القرن الثامن إلى منتصف القرن الحادي عشر وعرفت هذه الفترة بالعصر الذهبي للملكة، حيث بلغت قوتها السياسية ذروتها وكذلك تطورها الثقافي حيث ازدهرت فيها الفنون مثل اللوحات الجدارية والفخار المزخرف وتم بناء العديد من القلاع و الكنائس.
منذ أواخر القرنين الحادي عشر و الثاني عشر الميلاديين بدأت المقرة تضعف تدريجياً وبدأ المماليك المصريين بالتدخل في شؤونها، وبدأت القبائل العربية بالتدفق نحو بلاد النوبة بأعداد كبيرة وهجرات متفرقة، وبحلول القرن الخامس عشر الميلادي اجتاحت القبائل العربية والبدوية معظم بلاد النوبة مهاجرين إلى البطانة والجزيرة وكردفان ودارفور وعمرت المنطقة بالعرب وتزاوجوا مع النوبيين حتب أصبح النوبيون يدخلون في الإسلام طواعية.
ليس هناك تاريخ دقيق لسقوط مملكة المقرة؛ ولكن تغلبت الفونج في بداية القرن السادس عشر الميلادي على جارتها مملكة علوة في الجنوب، وجاءوا إلى أرض المقرة لغزوها فلم يجدو أي سلطة مركزية تحكم الإقليم بكامله، بل وجدوها وحدات قبلية أو أقاليم صغيرة متفرقة ، وهذا من تأثير القبائل العربية.
أما المملكة الثالثة في ذات الزمان كانت علوة ، و التي تقع جنوب المقرة، عاصمتها سوبا التي تقع في الضفة الشرقية للنيل اﻻزرق بالقرب من التقاء النيل اﻻبيض و الأزرق ، وقد شملت المنطقة الوسطى والجنوبية من بلاج النوبة. اعتنقت المملكة الدين المسيحي كجارتها في الشمال في القرن السادس الميلادي، و ذلك عندما علم ملك علوة بتنصير مملكة نوباتيا فطلب أن يرسل له أُسقفاً اسوة بنوباتيا ليتم تنصير شعبه أيضاً ، فتم تعميد الملك وأسرته و النبلاء في المملكة ، وهكذا أصبحت علوة مملكة مسيحية رسمياً.
تميزت علوة عن جارتها الشمالية بأنها كانت أقوى جيشاً، وتم وصفها بأن بها أبنية جميلة و دور واسعة وكنائس كثيرة الذهب و البساتين، وكانت أراضيها خصبة، و اتساع رقعة علوة وهطول الأمطار في معظم أراضيها؛ جعلها أكثر إمكانية من المقرة مما جعلها مجالاً حيويًا لحشود القبائل العربية المتدفقة.
بدأت مملكة علوة تضعف، فتكاثر العرب في الإقليم وتغلبوا على سكانها الأصليين وبدأوا في تكوين إمارات صغيرة ومشيخات، وقد قام شيخ عرب القواسمة عبد الله جماع بتوحيد القبائل لمحاربة العنج، وتحالف مع الفونج القادمين من الجنوب فسقطت سوبا عاصمة علوة علي يد عمارة دنقس سلطان الفونج في 1504م في معركة شهيرة عرفت محلياً بـ(خراب سوبا).