مر العيد و قبله عيد وقبلهما رمضان وذلك يعني مرور ما يُسميه أهل الفن والإعلام بـ (مواسم البرمجة والدراما والفنون) و رغم الاختلاف على هذا التخصيص إلا أنه أصبح واقع نعيشه كل عام ، وأثبتت التجارب خلال السنوات الماضية أن تلك الأوقات من العام هي الأعلى مشاهدة والأكثر اهتماماً من قبل المشاهدين بمختلف فئاتهم ، وكعادتها القنوات السودانية لم تبتكر ولم تجدد شيئاً في برامجها بل حتى لم تقلد غيرها من القنوات العالمية أو العربية فمر الموسم كسابقه من المواسم ليس فيه جديد ، وأقرب مثال على ذلك أن المنتج الأستاذ الشفيع عبدالعزيز الذي غادر قناة النيل الأزرق قبل سنوات ما زالت برامجه تُعرض إلى اليوم لافتقار التجديد والابتكار.
ظلت القنوات الفضائية السودانية باختلاف أسماءها لسنوات طويلة وما زالت على نفس البرامج ذات النمط الواحد والمتشابهة في مضمونها و ضيوفها و حديثها.
تكرار دون ملل ، حتى أصبح المشاهد يعرف قبل مقدم البرنامج متى السؤال وما هي أجابة الضيف ، فالكل أتقن أسلوب الحوار من كثرة التكرار، والوجود الدائم للفنانين في كل البرامج لا معنى له غير وقت فراغ عجز عن سده محتوى البرامج فدائماً ما يتم استغلاله بالأغاني.
ولما الاستغراب من كثرة الفنانين و المغنواتية في مجتمعنا ؟ وقنواتنا هي من تدعو لذلك ليل نهار ، كل الفرص المتاحة الأن أن تمتلك شجاعة أدبية لتكن قادر على إزعاج الناس وملء الفراغ الذي تعاني منه كل القنوات السودانية دون استثناء ؛ رغم إنها البرامج الأكثر مشاهدة ولكن لا يوجد غيرها اما بقِلتها أو عدمها ، ويكاد لا يخلو أي برنامج من شخص يُغني أو يتغنى ، فالغناء الذي تعودنا عليه دون غيره من الفنون أصبح من العادات والموروثات ، و أصبحنا قانعين أن الثقافة والفنون في بلادنا تتمثل في الغناء فقط ، والرياضة هي كرة القدم وحدها دون غيرها من الرياضات.
التكرار لم يخُتصر على المحتوى فحسب فهناك أخطاء في مجملها تتكرر بشكل يومي سواء كانت أخطاء تقنية أو فيما يخص الإنتاج ، الإخراج ، التصوير ، الديكور وغيره ، أخطاء بدائية لدرجة تجعلك متعجباً ! أن هذا العمل يقف خلف كواليسه منتج ومخرج ومجموعة من الأسماء التي يتم كتابتها نهاية كل برنامج.
هل هذه قدراتهم ام هناك عدم اهتمام بما يُقدم للمشاهد ؟ فمن غير المعقول أن تعاني قنواتنا التلفزيونية من مشاكل في الصوت والإخراج والتصوير ، أشياء في مجملها (سنة أولى ابتدائي حرفياً) ؛ أيضاً فيما يخص المحتوى فلا مانع من التقليد أن عجز الفكر عن التجديد فمجموعة قنوات (ام بي سي) قلدت الكثير من البرامج العالمية ولكن بطريقة إحترافية ذات قيمة عالية جعلتها من القنوات الأكثر مشاهدة عربياً.
حتى الإذاعة التي في رأي الكثيرين أصبحت من الماضي ظلت تقدم ما عجزت عنه القنوات التلفزيونية جميعها ، فتنوع البرامج وأساليب الطرح والتنوع والتجديد وكل ما غاب عن الشاشات كان حاضراً عبر بعض الإذاعات وهذا دليل أن الإبداع موجود فقط يحتاج منا الجهد والعمل.
مكانك سر جملة عسكرية يطلقها قادة الطوابير الصباحية على جنودهم وتعني استمرار الحركة دون تقدم أو زيادة أو نقصان لرفع درجة الاستعداد ، وهذا ما ينطبق على القنوات السودانية (الحركة المستمرة داخل نفس الدائرة دون تقدم).
صحيح أن ما يحدث من أزمات مجتمعية وسياسية له أثره الكبير على ذلك ، فلا توجد دراما لعرضها ، ولا كرة قدم لمتابعتها ، ولا توجد مناشط اخرى للحديث عنها ، ولا صناعات ولا سوق تجاري لتسليط الضوء عليه ، وبالتالي لا ثقافة ولا فنون لمن يبحث عن أساسيات العيش الكريم تاركاً غير ذلك من الكماليات و الرفاهيات ؛ فتأخر الدولة في كل شيء وعلى كل المستويات يجعل من التجديد أمراً أكثر تعقيداً والإعلام بعادته لا ينقل الواقع برمته.
ورقة أخيرة
على المسؤولين في القنوات المختلفة البحث والعمل على تغيير الصورة النمطية التي وصلت اليها القنوات السودانية وذلك بتنوع الفقرات والبرامج وتسليط الضوء على المواضيع الهادفة التي على قلتها ظلت مهمشة وغير مرغوب فيها ، وتجاوز الأخطاء البدائية والإهتمام بالمواد المُقدمة للمشاهد ، وعليه يبقى الإنتظار على أمل فلا تجديد يحدث بين يوم وليلة ولكن يجب العمل على ذلك فبلادي تضم الكثير من المبدعين فقط افسحوا لهم المجال.
إلى لقاء
7 تعليقات