بداية وقبل الحديث عن مقتل الرئيس التشادي إدريس ديبي كان لابد لنا أن نعطي خلفية جغرافية وتاريخية لدولة تشاد. وتشاد هي دولة ذات حكم جمهوري وواقعة في منتصف قارة أفريقيا حيث تحيط بها ٦ دول، إثنين منهما عربية وهما ليبيا، والسودان من الأجزاء الشمالية والشرقية، وأربعة دول إفريقية وهم أفريقيا الوسطى، الكامرون، النيجر، نيجيريا من الأجزاء الجنوبية والغربية لدولة تشاد. وفي الحديث عن الملامح السياسية والتاريخية لتلك الدولة نجد أنها استقلت من الإستعمار الفرنسي، ونالت سيادتها في ١١ أغسطس عام ١٩٦٠ م. وخلال هذه الفترة تعاقب ٧ حكام على حكمها منهم من كان يحكم فترة بسيطة، ومنهم من يطول به العهد. وفي هذا الصدد يصبح تركيزنا على آخر رئيس حكم دولة تشاد إدريس ديبي والذي مكث على عرش السلطة أكثر من ٣٠ عاما… كيف كانت فترة حكمه، وبما اتسمت، وكيف كانت نهايته؟ لنتابع..
حياته السياسية:-
إبان فترة الإضطرابات التي تلت سقوط الرئيس الإستقلالي فرنسوا تومبلباي، كان دبي في صف الرئيس العسكري الجنرال فيليكس معلوم، حتى انهيار حكم الأخير عام ١٩٧٩. وعلى هذا الإثر حوّل ولاءه إلى حسين حبري أحد قادة الأجنحة المتصارعة على حكم تشاد، ولاسيما في وجه غريمه اللدود گوكوني عويدي. ولما نجح حبري في إطاحة عويدي عام ١٩٨٢ قدّر حبري إخلاص دبي وولاءه له فعينه قائداً للجيش.
وفي عام ١٨٨٤ ارتفعت أسهم ديبي أكثر بفضل نجاحه في ضرب القوات المدعومة من قبل ليبيا في شمال تشاد، غير أن حبري قرّر في العام التالي إعفاءه من منصبه، وإرساله إلى فرنسا ليلتحق بكلية الحرب بباريس. ولدى عودته من فرنسا عينه حبري مستشاراً رئاسياً للشؤون العسكرية.
ومجدداً خاض ديبي مواجهات ضد القوات الليبية، والقوات التشادية الحليفة لطرابلس، خرج منها برصيد أكبر من الإحترام الداخلي. غير أن الخلاف سرعان ما ذر قرنه بينه وبين الرئيس حبري عام١٩٨٩، حول موضوع السلطات المتزايدة لقوات الحرس الرئاسي. حينئذ اتهم حبري ديبي بالتحضير لإنقلاب عسكري ضده، مما حدا بالأخير إلى الفرار إلى ليبيا، ومن هناك انتقل إلى السودان، حيث أسس «حركة الانقاذ الوطني» بدعم ليبي وسوداني، وباشر التحرك ضد نظام حبري في أكتوبر ١٩٨٩. وجاءت الضربة القاضية التي وجهها ديبي لنظام حبري في الهجوم الكاسح الذي شنته قوات «الحركة» يوم ١٠ نوفمبر ١٩٩٠ ، والذي توّج يوم ٢ ديسمبر ١٩٩٠ بدخول هذه القوات العاصمة انجامينا من دون مقاومة وتسلم ديبي الحكم. حكم ديبي تشاد بموجب دستور جديد أقر بعد تولي حكومة مؤقتة السلطة لمدة ثلاثة أشهر. وقد أبرم الدستور في استفتاء شعبي عام ١٩٩٦، تلته انتخابات رئاسية فاز بها ديبي بعد الدورة الثانية. وأعيد انتخابه منذ الدورة الأولى رئيساً عام ٢٠٠١.
ولكن عام ٢٠٠٥جرى خلال استفتاء إلغاء حاجز الولايتين الرئاسيتين، مما سمح للرئيس بالترشح للمرة الثالثة، غير أن هذه الانتخابات التي أجريت عام ٢٠٠٦ قاطعتها قوى المعارضة.
نقاط بارزة إبان فترة حكمه :-
– بعد أن تم احلال النظام الديمقراطي كبديل للدكتاتورية البغيضة وإلغاء البوليس السياسي؛ ترتب على ذلك قرارات عديدة منها السماح بإنشاء وتأسيس الأحزاب السياسية والجمعيات المدنية، وجمعيات الدفاع عن حقوق الأنسان، ومنح الإعلام الحرية الكاملة حيث عشرات الصحف، والإذاعات الخاصة وبسط الحريات السياسية بصفة عامة .
– عقد المؤتمر الوطني المستقل الذي وضع جميع الأسس اللآزمة لبناء تشاد سياسياً، واجتماعياً، واقتصادياً، وعلميا. كما نُظم دستور دائم للبلاد وافق عليه الشعب في استفتاء تميز به الصراحة والوضوح والشفافية .
– نُظمت انتخابات رئاسية وبرلمانية ناجحة في عهده بدون أي شوشرة وتم ذلك بهدوء وطمأنينة .
– اشراك مختلف الساسة في إدارة شؤون البلاد وفقاً للديمقراطية التوافقية والتضامنية؛ وأيضا تم تكوين الهيئات العليا المصاحبة والمنظمة للديمقراطية كالمحكمة العليا، والمجلس الدستوري، والمجلس الأعلي للإعلام، والمجلس الأعلى للقضاء .
– إنشاء وزارة معنية باللامركزية تنفيذا للمادة ٢٠٣ من دستور البلاد بشأن التجمعات الأقليمية واللامركزية لجمهورية تشاد، والتي تمت بموجبها تقسيم البلاد لمناطق ومقاطعات وبلديات وتجمعات ريفية، وذلك بهدف تقريب السلطة من الشعب أو توزيع السلطة علي الشعب .
– إنشاء وزارة المراقبة العامة للدولة والتهذيب بهدف ترشيد الأدارة، ومكافحة التسيب الإداري والمالي والأخلاقي ومحاسبة المقصرين، وتلبية حاجات المجتمع الأساسية عن طريق إعداد كوادر علمية مؤهلة في المجال الرقابة الإدارية .
– تطبيق سياسة الحوار واليد الممدودة والتعايش السلمي بين مختلف مكونات وجماعات الضغط والتي بدأت منذ ١٩٩١ م بالمؤتمر الوطني المستقل مروراً بالطاولة المستديرة في فرانسفيل بالغابون، وتعين وسيط وطني بدرجة وزير حيث عاد بفعل هذه السياسة الحكيمة لأرض الوطن معظم من كانوا في المعارضة السياسية .
– انتهاج مبدأ الإنفتاح السياسي مع مختلف دول العالم حيث توطدت علاقات حسن الجوار؛ وإزدياد عدد السفارات الأجنبية في تشاد والتشادية في الخارج . اضافة للزيارات المتبادلة علي كافة المستويات . بالإضافة إلى تفعيل التعاون مع المنظمات الأقليمية والقارية والدولية، بدءاً بتجمع الدول المتاخمة للساحل والصحراء ثم التجمع النقدي والإقتصادي لوسط أفريقيا ( سيماك ) والإتحاد الأفريقي والأمم المتحدة بكآفة هيئاتها . وهو الأمر الذي علي أثره زار البلاد العديد من كبار مسؤولي هذه الهيئات .
– المشاركة بفعالية في المنظومة الدولية لتحقيق الأمن والسلم الدولين حيث الوساطة في قضية دارفور وأفريقيا الوسطي وبورندي والكنغو وهايتي ومحاربة الإرهاب وداعش وأخواتها مثل بكو حرام وغيرها؛ وذلك عن طريق الحوار السياسي أو عبر إرسال قوات لحفظ السلام مع عقد العديد من المؤتمرات بشأنها في تشاد .
– تم منحه العديد من الأوسمة والميداليات وشهادات التقديرية الدولية عرفانا لجهوده السياسية؛ وفي إطار السلام والحريات الأساسية . وذلك من قبيل جائزة البيرنو بيان كمانو والفو والفيفا وغيرها من الجوائز الدولية .
مقتطفات من نهايات حكم الرئيس ديبي:-
تم انتخاب تشاد عضواً غير دائم في مجلس الأمن الدولي لأول مرة منذ ولادتها كدولة علي خارطة العالم؛ وثم انتخابه رئيساً للإتحاد الأفريقي، وثم أخيراً انتخاب وزير خارجية تشاد سكرتير عام للإتحاد الأفريقي .كما كان لديبي دور كبير في تهدئة الأوضاع في السودان بعد الاطاحة بنظام البشير ..وذلك بالإجتماعات بين المجلس العسكري، والحركات المسلحة بإنجمينا والتي أفضت إلى اتفاق جوبا للسلام 2020. وخلاصة القول أن إدريس ديبي يعد إستراتيجي عسكري لامع تمكن من النجاة من العديد من محاولات الانقلاب والتمرد، ولم يتردد أبداً في الإنضمام إلى الجنود على جبهة القتال بزيه العسكري، وتم ترقيته في العام الماضي إلى رتبة المشير (ماريشال) نظراً لجهوده في محاربة الإرهاب وفق ما أعلن رئيس الجمعية الوطنية في تشاد هارون كبادي.
وفاته:-
توفي الرئيس إدريس ديبي متأثراً بجراحه عقب معارك مع متمردين غداة إعلان فوزه في الإنتخابات الرئاسية صباح يوم الثلاثاء الموافق ٢٠/٤/٢٠٢١ .
وكانت اللجنة الإنتخابية في تشاد قد أعلنت الإثنين ١٩ أبريل ٢٠٢١ ، فوز ديبي الذي يحكم تشاد بقبضة حديدية منذ ٣٠ عامًا لولاية سادسة بحصوله على ٣٢’٧٩٪ من الأصوات في الإقتراع الرئاسي الذي جرى في ١١أبريل..لسنة ٢٠٢١.
آخر التطورات في قضية مقتل إدريس ديبي:-
أكد الجيش التشادي أن الجنرال محمد إدريس ديبي ، صاحب الأربع نجوم ونجل الرئيس المقتول سوف يحل محله، ويترأس المجلس العسكري الإنتقالي الذي بدوره حل الحكومة والبرلمان،وكون مجلس إنتقالي لإدارة البلاد في الفترة المقبلة بقيادته. ولكن هنالك تساؤلات كثيرة تطرح نفسها.. كيف سيؤثر مقتل الرئيس التشادي والإنفلات الأمني في تشاد على إقليم دارفور المضطرب، وماهي السيناريوهات التي سيصل إليها السودان إذا ما لم يتم تأمين الحدود السودانية التشادية وعن مدى خطورة تدفق الميليشيات المسلحة التشادية إلى الأراضي السودانية؟!