في قديم الزمان وقف الفلاسفة متأملين مفهوم الجمال البشري، عندما كان الرجل يحارب و يزرع لتأمين العيش ، كانت المرأة مجرد وسيلة و أداة للتكاثر فقط ليس أكثر .
و عندما قامت الحضارات القديمة بدأ الناس بالإهتمام و البحث عن مفهوم و قيمة الجمال بشكل واضح ، والآن أصبح لدينا ميراثاً عظيماً تركته لنا هذه الحضارات، كالحضارة المصرية و الآشورية و اليونانية و الرومانية ، سجلوا لنا هذه الموروثات على جدران المتاحف و المعابد و البرديات مما حيّر الفلاسفة بشأن مفهوم الجمال، و أصبح علماً يقيس و يحدد سمات الجمال.
و كانوا في العصور القديمة يسعون لفهم و دراسة ( ثنائية الروح و الجسد ) في محاولة لفهم الجمال .
كان أفلاطون يرى و يؤكد أن الجمال هو جمال الروح و ليس جمال الجسد ، في حين أن أرسطو كان يرى أن الوظيفة هي مقياس الجمال ، فكان يرى أنه كلما كان العضو كبيراً كان له القدرة على القيام بوظيفته بشكل أفضل، و هذا هو الجمال بالنسبة له ، بينما كان سقراط يرى أن البدانة هي مقياس جمال المرأة ، فهي الأقوى بذلك و الأقدر على تحمل آلام الحمل و الولادة، و أيضاً على معاونة شريكها في الحياة، مقارنةً بالمرأة النحيفة .
تعتبر الحضارة الفرعونية الأقدم في الاهتمام بالجمال ، فكانوا يدرسون تفاصيل الوجه و الجسد و قاموا بصناعة كل ما يزيدهم جمالاً و تميزاً من الأزياء و الحُلِي و أدوات المكياج بالأضافة إلى صناعة العطور.
لطالما كانت المرأة الفرعونية رمزاً للجمال و كانت نفرتيتي ( إسمها يعني الجميلة أتت ) أيقونة الجمال و الأناقة، و لا تزال حتى الأن مرجعاً لمصممي الأزياء في عصرنا هذا .
و من الجدير بالذكر أن جمال كليوباترا كان سبباً في إنهيار حضارة و بدء حضارة جديدة ، و استطاعت بجمالها بجمالها فقط أن تسيطر على الإمبراطورية الرومانية ، و يُقال أنها لم تكن جميلة الوجه و الخِلقة، و إنما كانت حادّة الذكاء. كما كانت الملكة الوحيدة التي تحدث سبع لغات وقتها ، و كانت ذكية أيضاً في إبراز جمالها الخارجي باستخدام أسرار الجمال المصرية .
كانت مقاييس الجمال في بداية الحضارة العربية مرتبطة إرتباطاً وثيقاً بالبيئة التي يعيشون فيها، حيث كان من أبرز معايير الجمال عند المرأة العربية أن تمتلك وجهاً كالقمر ، و كان للعيون السوداء الواسعة النصيب الأكبر من التفضيل ، فلم يكونوا يفضلون العيون الخضراء مثلاً لأنها في إعتقادهم تُشبه عيون الجن! .
و كانوا يصفون هذا الجمال عن طريق الكلمة ، فلم يكونوا مهتمين بنحت التماثيل أو رسم الصور لتصوير جمال نسائهم ، فقط الكلمة الفصيحة والشعر كما أنشد المتنبي قائلاً :
حُسْنُ الحضارةِ مجلوبٌ بتطريةٍ *** و في البداوةِ حسنٌ غيرُ مجلوبِ
و قد أجزل الأعشى في الوصفِ متغنّياً :
غرّاءُ فرعاءُ مصقولٌ عوارضُها *** تمشي الهويني كما يمشي الوجي الوحِلُ
كأنّ مشيتها من بيت جارتها *** مرَّ السّحابِ لا ريثٌ و لا عجلُ
و في العصر الأندلسي كان لإختلاط الحضارتين العربية و الغربية تأثيراً واضحاً في إختلاف مقاييس الجمال و ظهور مقاييس جديدة مختلفة .
و في ذروة الحضارة العربية كانت أوروبا تمر بأسوأ فتراتها ، فقد كانت الكنيسة تسيطر على كل شيء بما في ذلك الجمال و مقاييسه ، و كانت الراهبة هي المقياس الوحيد للجمال .
و في بداية عصر النهضة ظهرت مقاييس جديدة للجمال ، و اعتُبِر وجه المرأة مثالاً كاملاً للجمال ، و ذلك بعد أن تحرّروا من حكم الكنيسة ، و كانوا يرون أن الإنسان ( و المرأة على وجه الخصوص ) كانوا يعتبرونه جميلاً في كل الأحوال .
في فرنسا بعد الثورة الفرنسية كانت تختلف مقاييس الجمال من نساء القصور الأنيقات الممتلئات إلى حدّ ما عن النساء البسيطات بملابس عادية و أجساد نحيفة ، ولا تزال فرنسا حتى الآن مركزاً للموضة و الجمال ، و تغيرت نظرة الرجل و إدراكه لجمال المرأة بشكل كبير .
بعد أن أصبحت المرأة جزءً لا يتجزّأ من الحراك اليومي و أصبحت فرداً منتِجاً من أفراد المجتمع ، بدأت المصانع بالترويج لفكرة النحافة و أصبحت مقياساً جديداً للجمال وقتها .
كانت “كوكو شانيل” أول مصممة أزياء بدأت بتخليص الزّي من التكلّف و البهرجة و أنتجت أزياءً أكثر خفّة و أناقة لتُناسِب إيقاع الحياة السريع و الحياة العملية اليومية .
أما في الحضارة الأمريكية الحديثة و بعد ثورة السينما و رواجها الكبير أصبح جمال هوليوود هو المقياس الأول للجمال ، و بالطّبع كانت الممثلات الشّقراوات ك”مارلين مونرو” و “صوفيا لورين” هن رموز الجمال وقتها ، ولم تقتصر شهرتهنّ على هوليوود فقط بل إنتقلت للعالم أجمع ليُصبحنَ أمثلة عالمية للجمال الأنثوي .
بينما لعِبت بوليوود دوراً أساسياً في تعريف العالم بالجمال الهندي و مقاييسه المتميزة .
و بالرغم من هذا التحضّر لاتزال بعض القبائل تتمسّك بمقاييس الجمال القديم ، كقدرة المرأة على الحمل و الولادة ، و هناك قبائل يُحدِثون بعض الخدوش على وجه و جسد المرأة لتبدو أكثر جمالاً، كبعض قبائل جنوب السودان ، و بعض القبائل ترى أنه كلما ازدادت المرأةُ سواداً كلما ازدادت جمالاً ، و تقوم نفس القبائل بحلق رؤوس رجالها و نساءها على حدٍّ سواء .
و أخيراً كان للعولمة و التعدد الكبير أثر واضحاً في تعدد مقاييس الجمال و إحترام ثقافات المجتمعات الأخرى و نظرتها لمقاييس الجمال و كسر هوليوود العالمية للجمال ، بل و أصبحنا نرى أن لقب ملكة الجمال لم يعُد حِكراً على فئة معيّنة بل يتحوّل سنوياً من ثقافة لأخرى .
الآن أصبح الجمال جزءاً لا يتجزّأ من حياتنا اليومية ، فابحث عزيزي القارئ عن الجمال و جِدْه في كل ما يحيط بك من خلق الله، و حتماً ستجده و تراه بوضوح فالله جميلٌ يُحِبّ الجمال .
و نصيحتي إليك ألّا تبحث عن أي مقايسس للجمال بل اصنعها بنفسك، فما الجمال إلّا ما تراه بعينك و ما تستشعره بقلبك .