أصبح التعبير عن ما بداخلك أمر صعب جدأ خاصة وإن كنت صادقاً، فالصدق هذه الأيام تنقصه الشجاعة والجرأة للظهور لذلك أصبح خجولاً متخفياً لا تسمع له صوتاً ولا تجد له مكاناً، والكل يبحث عن الذات في نفوس الآخرين وعن طريق النجاة من دروب الحياة التائهة، ولكن هنالك من يبحوث عن ثروة ضاعت وأختفت منذ زمن بعيد ولطالما حلموا بها وبعودتها، وظلت تكبر مع أيامهم وذكرياتهم ولم يجدوها، وهذا ليس بالأمر الجديد فالكل يبحث عن ثروة في زمن الأزمات المستمرة، وهناك من يملكون الثروات ولكنهم فقراء، فالثروة الأخلاقية والعلمية هي حجر الأساس لكل بناء ثابت لا يهدمه حديث الناس ولا تهزه رياح الحقد والحسد والظنون.
البعض يبحث عن ثروة أخلاقية مجتمعية تعيد ما اندثر من أخلاق وصفات في مجتمعنا، حتى وأن سلمنا أمرنا لتطورات الحياة والسعي الدائم لمواكبة العالم والأحداث، وقمنا بثورة في استخدام تقنية المعلومات والاتصالات لتحسين البنية الاجتماعية، والاقتصادية والثقافية وتركنا البنية الأساسية المؤدية إلى أقصر طرق الوصول إلى العالمية وهي الأخلاق والمبادئ، وبدون التركيز على أهمية الثروة البشرية وما تحمله من قدرات أخلاقية وكفاءات ومهارات إدارية تساعد في عمليات التحفيز للمجتمع ككل للنهوض والنمو اقتصاديا ومجتمعياً.
يظل الناس بفكرهم وأخلاقهم… فهي الغنى الحقيقي للأمة فأن حسنت أخلاقهم حسنت تصرفاتهم وتعاملهم، فالعقول النيرة ثروة مفقودة يجب أن يسعى الناس لاسترجاعها واستعادتها، وهي كلمة السر ومفتاح الوصول الذي ضاع من الجميع فأصبح كل من في المجتمع يبحث عنه.
دائماً ما نتخيل ونتناقش في بعض الأمور التي تخلق نوع من الميول والانحيازية تجاه ما نحب ونملك، أو حتى ما لا نحب ولا نملك فقط انحياز يغلب عليه طابع العند والكراهية، أو بعض المقارنات ما بين الأمس واليوم والأجيال القديمة والأجيال الجديدة التي وللأسف تنتقد وتقارن كل شيء، ودائماً ما تظلمهم المقارنات وترمي بهم في خانة السلبيات مع عدم مراعاة فروق التوقيت بين الأجيال.
فما بين الأمس واليوم حكاية زمان اختلفت فيه الأحكام رغم توحد المكان، ولكن للعمر دورات يمر بها فالطفل الذي كان يعيش مع كبار القوم مجرد طفل صغير يجلس صامتاً في عيشه لا يفعل شيء سواء خدمة من أكبر منه سناً بحجة أن أصغر القوم خادمهم، رغم أنها من التربية الصحيحة والأخلاقيات الحميدة ولكن ها قد بلغ الطفل ونضج ولم يجد من يخدمه ويرسله، ليس عيباً في أسلوبه ولا عدم تربية من هم أصغر منه عمراً ولكن اختلفت المفاهيم وتغير كل شيء، وأصبح الطفل يعي ويدرك أكثر خاصة تلك المفردات التي ظللنا ننادي بها ونطالب بالحرية والديمقراطية ولا ندرك ولا نعي مفهومها، فهذا أبسط مثال للديمقراطية والحريات ونظام الخواجة والنظام الإنجليزي الذي ننطق به مداعبين دائماً.
هذا الحال وهكذا تشتت الأفكار وانقسم المجتمع إلى فئات وطبقات، فالبعض من الناس يغردون خارج السرب والبعض الآخر يسير رفقة الأخرين بغير علم ولا دراية، يصفق أن صفق الناس ويهلل ويكبر إن هللوا وكبروا، وغيرهم ممن لا يتبع إلى هذا ولا ذاك ظل صامتاً لا يحرك ساكناً ينتظر فرجاً يظنه قريب ليبدل الله الحال إلى احسن حال.
هكذا انعكست الأية وانقلبت الصورة فلم نركب الموج مع العالم الأخر ونعبر إلى بر التطورات ومواكبة الحاضر والمستقبل الذي نحسبه حراً طليقاً يتسم بالحرية والكرامة الإنسانية، ولا عدنا إلى سودانيتنا البسيطة في مجتمعنا وتعاملنا الذي ظللنا نقارن فيه بين الأجيال والأجيال لنثبت لأنفسنا من الأفضل ومن الأسوأ في مقارنات مرهقة لا تحمل في مضمونها شيء من الإيجابية ولا الموضوعية، فالأجيال القديمة تبحث عن ثروة أخلاقية مجتمعية تعيد لها سيرتها الأولى وتعيد الحياة إلى جمال طبيعتها وبساطتها، والأجيال الجديدة تبحث عن ثورة شعبية تحرر بها النفس من العيش على ذكريات الماضي.
ورقة أخيرة
ملت الأجيال الحالية من قصص الماضي التليد، وتريد أن تصنع لنفسها أسلوب حياة مختلف يواكب العالم في تطوره وتقدمه، ليكون مرجعاً وبداية عصر لجيل جديد، لذلك يبقى الأمل قائماً وتبقى المقارنات بين الأجيال قائمة، فالبعض يبحث عن ثروته الضائعة والأخر يبحث عن ثورته المنتظرة.
Copyright secured by Digiprove © 2021 Ashraf Eltom