467
حين يدور النقاش في مجتمعاتنا تجد أن معظم الناس لا يسعون للوصول إلى الحقيقة، بقدر ما يسعون لإثبات وجهة نظرهم عن الحقيقة، حينها يصبح همهم الانتصار للأفكار التي تناسبهم ويبدؤون بمغالطة أنفسهم والاستشهاد بأدلة مخالفة للواقع والمنطق والدين أحياناً!
كم مرة صادفت جماعة رجالاً كانوا أو نساء يتحدثون عن رأي المجتمع في الزوجة التي تقاضي زوجها المعتدي عليها لفظياً أو جسدياً؟ بالغالب يكون الرأي مُنصباً على هول ما قامت به الزوجة ويتناسون حقها الإنساني في حفظ أمنها وكرامتها؛ وتتأرجح الكفة وقبل أن تستوي تصادف جماعة أخرى يتحدثون عن ختان الإناث كعرف تقليدي لابد منه وحين تسألهم تجدهم معتمدين على حجة (وجدنا آبائنا كذلك يفعلون) ويتناسون حق تلك الأنثى لتعيش سليمة.
غير المعتقدات التي سيطرت على فئة ليست قليلة العدد تجد أنهم مازالوا يؤمنون بالتمائم وأهميتها، ظناً منهم أنها تحجب عنهم الشر والعين والحسد، متناسين أنها شرك أصغر وأن الحافظ الحفيظ هو الله وحده.
مع تطور العلم والحياة كونت المجتمعات الكثير من الأفكار والحلول لتوفير حياة أقل تعقيداً وأكثر سلامة، ومن جملة ما كُوِن ومازال يُكَون؛ خُلق ثقب أسود غامض يجر الكثير من أفراد المجتمع إليه وهم مغيبون عما سيواجهون داخل ذاك الثقب، فيجدون أنفسهم في دوامة مليئة بالصِدام ما بين العادات والتقاليد، والأعراف والأديان؛ في بادئ الأمر تجد رفضاً وتشكيكاً لكن بعد أن يعتاد الناس عليها تصبح عادة مؤهلة للتحريف والتطوير.
الأمثلة كثيرة جداً ومازالت الكفة تتأرجح بين صوت المنطق وصوت الأغلبية حتى اختل الميزان فتهالك المجتمع، لنجد أننا نعيش اليوم في مجتمع متفكك تائه، يميل دائما لرأي الأغلبية ويرى في ذلك دائرة أمان بغض النظر عما إذا كانت هذه الدائرة تناسب فطرته الإنسانية والدينية أم لا.
على مر التاريخ تحظى الأفكار القديمة بقدسية عظيمة ولكن لا يعني هذا أنها صحيحة تماماً بدليل قصة إبراهيم عليه السلام مع قومه حين حطم أصنامهم وألقى باللوم على كبير الأصنام من باب محاججة قومه وتذكيرهم بأن هذه الأصنام لا تضر ولا تنفع، وعلى الرغم من أن صوابهم عاد إليهم في حينها؛ ووعيهم أن كبير الأصنام لاحول له ولا قوة إلا أنهم عادوا عن رشدهم في محاولة لإثبات وجهة نظرهم عن الحقيقة التي تناسبهم !.
قد تبدو القصة بعيدة كل البعد عن واقعنا اليوم لكننا إذا أمعنا النظر سنجد أن التاريخ يُعاد، وأننا لم نستفد كفاية من تجارب من سبقونا في العصور الماضية؛ بل مازلنا نتشبث برأي الأغلبية وكلما طرأت فكرة حديثة ترقى بالمجتمع كانت أو تحط منه، تنهال المغالطات بين مؤيد ومعارض، لتكون الغلبة للأكثرية ويصبح الأمر بمثابة دائرة أمان للقطيع الخاضع.
أعزائي القُراء: ما رأيكم بلحظة تأمل جماعية تجعلنا نعيد تقييم ذواتنا ومقاييس اختياراتنا، فلم ينزل القرآن الكريم بكل ما فيه من قصص وعبر إلا لنتعمق في تلك الرسائل البليغة التي تنذرنا بأبعاد حياتنا اليوم، ولم يسطر المؤرخون التاريخ إلا كمرجع يدفعنا لنغربل أفكارنا ونهذبها، و نقطة البداية تكمن في تحويل طاقة المغالطات هذه إلى حصاد فكري ومعرفي خلاق ومتوازن، ولكي لا تستمر المغالطات إلى ما لا نهاية.