نستكمل اليوم وصف بوركهارت للطبيعة، والمكان، والناس في ما مر به من بقاع من بلاد النوبة إبان أيام الرحلة السابقة، ونتناول اليوم في هذا الجزء أوصاف النباتات البرية، والحيوانات في هذه المنطقة.
تنمو على أطراف النهر أنواع برية مختلفة من الأشجار الشوكية من فصيلة الميموزا (السنط)، بالإضافة إلى النخل والدوم، كذلك تنمو شجيرات السنامكي القصيرة البرية من إسنا إلى المحس في كل مكان يغمره الفيضان، إلا أن الغالب من الناس قلما يفقهون مزايا هذه السنامكي، ولا يستعملها غير الفلاحين الذين خَبِروا فوائدها الطبية، و تمتاز السنامكي الصعيدية على السنامكي النوبية والجبلية بكبر أوراقها، أما بين الكثبان الرملية المتواجدة على الضفة الغربية فتنمو أشجار الطرفاء، وهي نفس الأشجار التي تحف أطراف الفرات في صحاري الجزيرة.
أما عن الحيوانات فلم أرى منها في رحلتي على ضفاف النيل من بلاد النوبة إلا القليل؛ و أما عن ماشية النوبيين فهي البقر والضأن والماعز، أما الجاموس فلا يُربّونه إلا على نطاق قليل، أما عن حيوانات الركوب فيقتني وجوه القوم الحمير والإبل، إلا أن الإبل قليلة ماعدا عند تجار السبوع و وادي العرب، وأما الحيوانات البرية فتوجد التياتل (الوعل النوبي) في الجبال الشرقية، وقد رأيت منها تيتلا في أسيوط، والذي يطلقون عليه اسم (البدن) في إقليم البتراء، وقد حدثني بعض عرب البشارية عن فصيلة من الأغنام البرية ذات القرون الطويلة تقطن جبالهم.
كما أن بلاد النوبة أيضا حافلة بالغزلان الشهباء المعروفة، وتحفل أيضا بأعداد كبيرة من الأرانب البرية، حيث يقوم عرب القراريش القاطنين فيها بصيدها بإستخدام كلاب سلافية يربّونها خصيصاً لهذا الغرض.
أما ما شاهدته من طيور النوبة،
ونجد أيضا نوعا من الزقزاق الشامي واسع الإنتشار في بلاد النوبة، ورأس هذا الطير هو الذي نجده مرسوماً بالهيروغليفية في عصا الرياسة (وكذلك كان يخيل إلي كلما رأيته ينشر عرفه)، وثمة طائر مائي أبيض في حجم الإوز الكبير يطلق عليه الأهالي اسم الكرك،
حيث يسكن بشكل أكثر في الجزائر النيلية في تشكلات من أسراب، يصل تعداد السرب منها إلى المئات، ولكني لم أتمكن قط من الدنو منها على مسافة تتيح لي تأملها، كما لم أرى طائر الزقزاق الذي يقال عنه أنه يتسلل إلى فم التمساح ويأكل من الطعام الذي يخرجه إلى جوفه، وكذلك لم أرى طوال هذه الرحلة أي طائر من فصيلة أبي قردان.