صباح اليوم من رحلتنا هو تاريخ 2 مارس 1813م، غادر الركب الدر بصحبة شيخ من الأعراب يدعى محمد أبو سعد من قبيلة القراريش، وسيسرد اليوم بوركهارت بعضا من ما عرفه عنهم.
وبدو القراريش هؤلاء ينتجعون شواطئ النهل الغير آهلة وجزائره من الدر إلى المحس ودنقلا جنوبا، حيث يقال أن عددهم هناك يفوق عددهم هنا، وهم رفاق الحال، وخيامهم من الحصر المجدول من سعف النخل، لها فواصل في وسطها لعزل الحريم، وبالرغم من وجودهم في الأراضي النوبية، إلا أنهم يفتخرون بعدم اختلاطهم مع غيرهم من الأجناس خارج قبيلتهم، كما أنهم يفخرون صادقين بما امتازت به بناتهم من جمال وفتنة.
ويشتغل معظم عرب القراريش في حدمة أمراء النوبة حرسا وخبراء، يرافقونهم في رحلاتهم داخل أملاكهم، وعند غياب الأب وكبار الأبناء تبقى الأم وبناتها في خيمتهن المنعزلة، لأنهم يعيشون عادة في أسر منفصلة، لا في مضارب مجتمعة، ويتلقى هؤلاء البدو بين الحين والآخر نفحات من أمراء النوبة،
أما غير المشتغلين منهم بخدمة الأمراء؛ فيكسبون معاشهم إما بالعمل كخبراء طريق، أو بجمع السنامكي من الجبل الشرقي وبيعها لتجار إسنا بسعر جنيه للحمل (والحمل يعادل من أربعة إلى خمسة قناطير إنجليزية). ومنهم من يسافر من وادي حلفا الواقعة على النيل مسيرة ثلاثة أيام لجمع الشب أو النطرون، وهم يقايضون عليه هؤلاء التجار بالذرة، بواقع مكيالين من الشب لقاء ثلاثة مكاييل من الذرة.
أما النطرون فيجدونه إذا حفروا عليه على عمق بوصات قليلة منبسطا أميالا، إلا أن النطرون تجارة محفوفة بالمكاره، فسكان الكوبانية (وهي قرية تقع على اثني عشر ميلا شمال أسوان) يشتغلون فيها أيضا، وتستغرق رحلتهم هذه إلى آبار النطرون أحد عشر يوما، والتقاء هذين الفريقين لا بد وأن يعقبه حتما نشوب معركة دامية. وبين وادي حلفا والشب توجد عين ماء تبعد يوما واحدا عن الشب، ويقوم عليها بعض الكلأ، وتنمو بعض أشجار الدوم، وإلى شمال الشب على رحلة يوم في الطريق إلى الواحة الكبرى، عين أخرى يسمونها الناري، وينمو حولها نخل كثير.