ما قبل المعركة:
في 3 نوفمبر 1883م تلقت بريطانيا هزيمة قوية من قوات المهدي في شيكان، حيث تمت إبادة الحملة العسكرية التي قادها الضابط البريطاني هكس باشا بالكامل ، تلك الحملة التي وصفها تشرشل في كتابه “حرب النهر” بـ
أسوأ جيش سار على وجه الأرض بلا تدريب أو نظام أو مرتبات
الأمر الذي أثار حفيظة بريطانيا التي استشعرت أنها بدأت بالفعل في فقدان إحدى أهم مستعمراتها في إفريقيا ، فاتخذت إجراءات عسكرية سريعة لمحاولة تدارك الأمر.
فحركت قواتها من جنوبي مصر نحو شمال السودان و شرق السودان لمحاولة تشتيت قوى المهدية التي كانت قد سيطرت بالفعل على مدينة الأُبيض و لم يبق لها سوى تحرير الخرطوم التي بقي الجنرال غردون محاصراً فيها.
في بداية فبراير 1884م انطلقت قوة بريطانية مصرية تبلغ ثلاثة آلاف وستمائة مقاتل بقيادة فالنتاين بيكر -المشهور باسم بيكر باشا- و معه قوة أخرى بقيادة جيرالد جراهام من ترنكتات، قاصدين مدينة طوكر بالسودان.
وعندما وصلوا إلى آبار التيب هاجمهم جنود المهدي بقيادة عثمان دقنة، فقتل من الجيش المصري الإنجليزي نحو 2300، منهم 92 ضابطاً، وحاصر جنود المهدي مدينة سواكن حتى سقطت بعد أن قُتل جميع الجنود المصريين فيها. وبعد إخلاء الجنود المصريين من السودان، عمدت القوات البريطانية لاحتلال المناطق التي تركتها القوات المصرية، فاحتلت القوات البريطانية مدينة سواكن السودانية.
قوات دقنة تعسكر في تاماي:
في ليلة 12 مارس 1884م ،شكل البريطانيون معسكرًا ليس بعيدًا عن مواقع عثمان دقنة بالقرب من آبار تاماي في حدود منطقة أركويت. و في حوالي الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، اقترب رجال مسلحون من قوات المهدي من المخيم وأطلقوا النار ، لكن إطلاق النار لم يكن دقيقًا ،و أوقعوا إصابات قليلة في صفوف الإنجليز في مناوشات استمرت حتى فجر اليوم التالي ، في تكتكيك حربي عبقري من عثمان دقنة الذي استطاع أن يجهد قوات جيرالد طوال الليل ، حيث أعطى تعلميات واضحة لجنوده قائلاً ” العدو ما ينوم ” ، كانت تلك المناوشات بمثابة البداية لمعركة تاماي الكبيرة.
تفاصيل المعركة :
كان على جراهام أن يتعامل مع الوضع الجديد فلا دواب كافية تبقت ولا ماء، فقرر أن لا مناص من الهجوم والآن وتم نصب المربع الإنجليزي الذي قهر أوروبا، في فجر 13 مارس 1884م ،قام القائد الإنجليزي جيرالد جراهام بتوجيه المدفعية للقتال ضد مناوشات المهدية و بالفعل تم قصف كتائب قوات عثمان دقنة الذين انسحبوا إلى معسكرهم في تاماي.
هنا أمر جيرالد القوات بالكامل بملاحقتهم إلى الوادي و قام بتشكيل مربعين للتقدم كل واحد منها بحجم لواء. كان أحد المربعات بقيادة العقيد ديفيس مع الجنرال جراهام ، و الآخر بقيادة العقيد بولر. اكتشف فريق الاستخبارات الخاص بجيرالد أن الجسد الرئيسي لقوة المهدية كان مخبأ في وادٍ قريب، و ليس في وادي تاماي كما اعتقدوا.
هنا فَطِن جيرالد للفخ الذي أوقعه فيه عثمان دقنة، و عندها أمر فرقتة الخاصة التي تسمى بـ (بلاك ووتش) بعمل مناورة سريعة داخل الوادي تاركين فجوة واسعة حيث تمركزوا في الميدان. و هنا ضرب عثمان دقنة هجوماً مباغتًا في قلب المربع الإنجليزي.
وجدت وحدة بلاك ووتش الخاصة نفسها تحت هجوم مكثف من السودانيين. غمر الميدان اندفاع رجال البجا و نتج عن ذلك قتال وحشي بالأيدي.
تراجعت الوحدات البريطانية في حالة من الفوضى ولكن سرعان ما قام جيرالد بإعادة تشكيل الصندوق من جديد. و تم إيقاف تقدم المهدية بهجمات من اللواء الآخر بقيادة الجنرال بولر ، و بواسطة وحدات الفرسان المفككة التي لم يتم الاشتباك معها حتى ذلك الحين.
تسببت النيران المحيطة المركزة في خسائر فادحة بين المهديين ، الذين أُجبروا على التراجع. ثم تمت إعادة ترتيب الوحدات البريطانية، و استأنفت تقدمها، و لاحقت المهديين الذي تبعثروا في الوادي و أوقعت المزيد من الضحايا أثناء الانسحاب . تم القبض على عدد من جنود عثمان دقنة في وقت لاحق من ذلك اليوم ، لكن لم يتم القبض على عثمان دقنة الذي اختفى في الجبال مع مجموعة من رجاله.
ليلتها كان جراهام الحامل لوسام فيكتوريا أرفع الأوسمة التي يمكن للقادة الميدانيين في وطنه الحصول عليها، يبرق حكومته باقتضاب:
“كُسِرَ المربع الإنجليزي”