“يقال إن شيئاً بسيطاً كرفرفة جناح فراشة في الصين يمكن أن يتسبب في حدوث إعصار مدمر في أمريكا”
،،،نظرية فيزيائية فلسفية،،،
إحدى التفسيرات الفلسفية لنظرية تأثير الفراشة هي أن حدثاً أو فعلاً بسيطاً لا يمكن بالكاد ملاحظته، قد يولد سلسلة من التطورات المتتابعة والتي قد تؤدي إلى حدث أكبر يفوق حجمه بمراحل وبشكل غير متوقع حدث البداية.
ففعل بسيط ككتابة تعليق بغيض على صفحة أحدهم على السوشال ميديا او كما يعرف بظاهرة التنمر الإلكتروني، قد يكون أحد أسباب بدء موجة تنمر تجاه ذلك الشخص، مما يتسبب في تدمير حياته وحالته النفسية وإيصاله لمرحلة من الاكتئاب وكره الذات قد تقوده تدريجياً للانتحار.
ففي حادثة مفجعة في كوريا الجنوبية أقدمت مغنية البوب الكورية “سولي” “25 عام” على الانتحار بسبب موجة من التنمر الإلكتروني والتعليقات السلبية التي كانت تتلقاها، وحادثة انتحار “سولي” هي من بين عدة حوادث انتحار شهدتها كوريا مؤخراً راح ضحيتها عدد من الشباب والمراهقين الذين كانوا ضحايا لحالات تنمر إلكتروني، وبحسب الإحصائيات العالمية فان كوريا الجنوبية تعتبر من أعلى 10 بلدان في تسجيل حالات الانتحار سنوياً والتي يكون أغلبها بسبب حوادث التنمر الإلكتروني، مما دفع كوريا لإصدار قوانين رادعة للحد من هذه الظاهرة.
وعالمنا العربي ليس بمنأى عما يحدث في كوريا، فيكفي ان تفتح أحد مواقع التواصل الاجتماعي لبرهة لترى كمية التنمر والتعليقات المستفزة والبغيضة التي انتشرت بشكل مرضي وجنوني واصبحت عادة لمعظم مرتادي هذه المواقع، وكأن ترك تعليق لطيف بات أمراً مستنكراً ويدعوا للسخرية.
وفي الموسم الثالث من مسلسل “Black Mirror” الذي يتناول عبر حلقات منفصلة الوجه الآخر للتكنولوجيا، تم عرض حلقة بعنوان “Hated in the Nation” تدور أحداثها حول جرائم قتل غامضة متصلة بشكل غريب بأحد الهاشتاقات على وسائل التواصل الاجتماعي، وينقسم الخط الدرامي للحلقة لجزئين، جزء الجريمة و التحقيقات، وتقوم فيه شرطيتان بالتحقيق في جرائم قتل متسلسلة يُكتشف لاحقاً انها تحدث بسبب هاشتاق، فالحدث الصغير هنا والذي تسبب في النهاية الدموية والمأساوية هو هاشتاق قام احدهم بتفعيله بطريقة عبثية، هاشتاق يبدأ ب “Death to” أو “الموت ل” ثم يقوم مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بإضافة إي اسم يريدونه للهاشتاق، والاسم الذي يحصل على أعلى نسبة من التفاعلات ومن مشاركة الهاشتاق يتم اغتياله من قبل شخص غامض.
والجزء الثاني يقوم على فكرة استخدام القاتل لنحل الكتروني صمم كبديل للنحل العادي لأغراض بيئية، ولكن يتضح لاحقاً استخدام الحكومة له في أغراض التجسس والمراقبة، وهي الجزئية التي استخدمها المسلسل لإيصال فكرة استخدام الحكومات لوسائل التواصل الاجتماعي للتجسس على مواطنيها، وبالتالي تحويلهم لكائنات مغيبة أو روبوتات آلية تحركها كيفما تشاء، وبالطبع بتنا نعرف جميعاً التأثير الكبير لوسائل التواصل الاجتماعي في تكوين الوعي الجمعي للشعوب.
وبالرجوع لقصة الهاشتاق والتي هي محور حديثنا اليوم، فالبرغم من معرفة المستخدمين بعد فترة أن الهاشتاق يتسبب في قتل الناس إلا أن استخدام الهاشتاق لم يتوقف او يقل بل ازداد بطريقة جنونية، فيكفي ان تدلي بتصريح لا يعجب أحدهم حتى تجد نفسك وقد صرت من المتصدرين لقائمة الهاشتاق.
وقد تظن لوهلة أن الاشخاص الذين قتلوا بسبب الهاشتاق كانوا هم الأهداف الرئيسية للقاتل، ليتبين لنا لاحقاً وبطريقة قاسية ودموية الرسالة التي اراد القاتل إيصالها ونكتشف أن الأهداف الرئيسية ليسوا هم الاشخاص الذين يتصدرون الهاشتاق بل متداولين الهاشتاق الذين كانوا سبباً في تصدر هؤلاء للهاشتاق.
لتجد نفسك وقد اصبحت هدفاً لخطاب الكراهية الذي تبنيته، ويتحول ذلك الفعل الصغير، ذلك الهاشتاق البسيط الذي قمت بتفعيله كرفرفة فراشة صغيرة تحولت لإعصار هائل ابتلعك أنت في نهاية المطاف.
ختاماً فإن رسالة هذه الحلقة هي بمثابة جرس تنبيه يرن داوياً ليذكرنا بعواقب افعالنا، ودعوى للتفكر في كل فعل صغير نقوم به ولا نلقي له بالاً، وقد يكون سبباً في تدمير شخص وتحويل حياته لجحيم.
وتأكد إنك إذا شاهدت هذه الحلقة وفهمت الرسالة المبطنة والصريحة منها، فأنك سوف تفكر ألف مرة قبل أن تقوم بكتابة تعليق فج او مسيء مرة اخرى.
Copyright secured by Digiprove © 2021 Ashraf Eltom