مخطوطة كاتب الشونة

أضحت مملكة الفونج تمثل القوى السياسية في البلاد في منتصف القرن الخامس عشر الميلادي. و قد وُلد نوع من الاستقرار والوحدة السياسية في مملكة الفونج ساعد على انتشار العقيدة الإسلامية والثقافة العربية بشكل أعمق و أشمل. كما شجع ملوك الفونج العلماء و رجال الطرق الصوفية الذين وفدوا من الحجاز والمغرب و مصر على الاستقرار في البلاد. و أنه نسبة لزيادة النشاط التجاري الذي أدى بدوره إلى زيادة الانفتاح و التفاعل الثقافي مع البلاد المجاورة بدأ الإنتاج الفكري ينمو و يتحسن في أواخر عهد الفونج، ومع بداية العهد التركي المصري.

إن من أهم مؤلفات الإنتاج الفكري في تلك الفترة هو “مخطوط كاتب الشونة “، لمؤلفها أحمد بن الحاج أبو علي، المعروف بكاتب الشونة ، الذي بدأ يؤلف هذا المخطوط منذ عهد الفونج، وقد تم تنقيحه من قبل أحمد بن الحاج محمد جنقال، و الزبير عبدالقادر ولد الزين (الشهير بالزبير ود ضوة) ، و إبراهيم محمد عبدالدافع، و الأمين محمد الضرير.

انتشر هذا المخطوط بعدة نسخ مختلفة تحت أكثر من عنوان داخل السودان وخارجه ،غير أنه اشتهر مؤخرا بمصطلح مخطوطة كاتب الشونة نسبة لوظيفة مؤلفه الأول أحمد بن الحاج أبو علي الذي كان يعمل كاتبا في مخازن الغلال خلال العهد التركي المصري.

ولد المؤلف عام 1785م في مدينة المسلمية المدينة التجارية الواقعة جنوب أربجي على شاطئ النيل الأزرق الغربي.
أدرك أغلب الباحثين في تاريخ السودان أهمية مخطوطة كاتب الشونة منذ أن اعتمد عليها الكولونيل ستيورات في إعداد مقدمة تاريخية من أجل كتابة تقرير للحكومة البريطانية عن وضع السودان وقت اندلاع ثورة الإمام المهدى على الحكم التركي المصري.

وظل هذا المخطوط يمثل مصدرا مهما لكثير من الدراسات التاريخية التي تتعلق بتاريخ ملوك سنار و الحكم التركي المصري. كما اعتمد عليه نعوم شقير بصورة أساسية في كتابة (جغرافية وتاريخ السودان) .

أيضا اعتمد عليه المؤرخ البريطاني والاس بيدج لكتابة (تاريخ السودان المصري). و إحدى نسخ المخطوط تعتبر مصدرا مهما لكتاب (سن النار لجاكسون) الذي ذكر فيه أنه على علم بوجود ثماني نسخ من هذا المخطوط إحداها في فينا. و قد قام ماكمايكل بإعداد ترجمة للمخطوط تتكون. من 48 صفحة نشرها باللغة الانجليزية عام 1922م.

خلال العام 1947م نشر أستاذ التاريخ مكي شبيكة تحقيقا ثانيا لمخطوطة كاتب الشونة  تحت عنوان تاريخ ملوك السودان. وأن مكي شبيكة أثناء التحقيق اتطلع على ثلاثة نسخ لهذا المخطوط ، أولها محفوظ في دار الكتب المصرية بالقاهرة وهذه النسخة تحتوي على معلومات حتى ولاية أحمد أبو ودان، و الثانية وجدها في مكتب السكرتير الإداري و التي تحتوي على معلومات حتى ولاية ممتاز باشا اما النسخة الثالثة فقد حصل عليها من الشيخ عمر دفع الله من أعيان امدرمان.

أيضا في العام 1961م نشر الشاطر بصيلي عبدالجليل تحقيقا ثالثا تحت عنوان مخطوطة كاتب الشونة في تاريخ ملوك السلطنة السنارية والإدارة المصرية . اثناء التحقيق اعتمد الشاطر بصيلي على خمس نسخ لهذا المخطوط وهي: نسخة القاهرة و نسخة فينا ونسخة باريس ونسخة إسطنبول و نسخة لندن، و إنه يعتقد أن نسخة القاهرة هي أقدم مخطوطة نقلت من الأصل المنسوب لأنها تحتوي على حقائق شخصية خاصة بالمؤلف مكتوبة في ثنايا المتن.
آخر تحقيق لهذا المخطوط القيم تم نشره خلال العام 2018م من قبل بروفسير يوسف فضل حسن تحت عنوان تاريخ ملوك سنار والحكم التركي المصري في السودان،يتكون من 412 صفحة ،وقد تمت كتابته بلغة عربية واضحة و قد تضمن التحقيق مقدمة و كشاف به أسماء القبائل و الأماكن و الأعلام ،كما ذكر شرح و تحليل وافي في الهوامش والحواشي للتعابير الدراجة والنصوص المحرفة.

وقد اعتمد على نسخة لم تُدرس من قبل دراسة علمية وهي نسخة أحمد جنقال المحفوظة في مكتبة جامعة نوتنقهام. و يذكر يوسف فضل في مقدمة تحقيق هذا السفر القيم أن الذي اقترح عليه تحقيق هذة النسخة من المخطوط هو أستاذه البروفسير بيتر مالكوم هولت أثناء دراسته للدكتوراة في مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن.
يذكر بروفسير يوسف فضل حسن:

” إن من الراجح أن مؤلف مخطوط كاتب الشونة قد نال تعليما إسلاميا مقدرًا ويبدو أن أسرته كانت على صلة وثيقة بالعلماء والفقهاء والمتصوفة، و أن ما ناله من تعليم هيأه ليعمل في وظيفة حكومية أثناء العهد التركي المصري “.

وعليه سوف نذكر أهم نسخ مخطوطة كاتب الشونة  التي اعتمد عليها يوسف فضل حسن أثناء التحقيق واوردها في تحقيقه و هي على النحو التالي :-
– نسخة دار الكتب المصرية، تحفظ هذة النسخة من المخطوط في دار الكتب المصرية تحت رمز تاريخ 18 في مكتبة فاضل باشا، و عنوانها مدينة سنار وملوكها وتتكون من 87 صفحة، وقد ورد في هذة النسخة ذكر لنسب الفونج وصلتهم ببني أمية. كتبت بخط رقعة واضح بلغة عربية تشوبها بعض التعابير الدراجة ،كما ورد في المخطوط موجزًا عن دخول الإسلام إلى السودان.
– نسخة اسطنبول،و توجد هذة النسخة من مخطوط كاتب الشونة في مكتبة بايزيد، مجموعة عارف بك ،رقم 138\3429،و عنوانها تاريخ بلود السودان و هي صورة طبق الأصل لمخطوطة القاهرة.
– نسخة نوتنغهام، وقد رجح بروفسير يوسف فضل في تحقيقه أن هذه النسخة أول النسخ تنقيحا، و قد اكتشفها ماكمايكل في السبعينيات من القرن العشرين وترجمها. و أن كاتب هذه النسخة أحمد بن الحاج محمد جنقال، و تحفظ هذه النسخة في مكتبة جامعة نوتنقهام بانجلترا، و قد كتبت باللغة العربية الدارجة، وبها عدد من الأخطاء الإملائية.
– نسخة فينا، و تحفظ هذه النسخة في المكتبة النمساوية الأهلية وهذة النسخة معاصرة لنسخة نونتقهام  تحت عنوان تاريخ مملكة سنار الفنجية .
– نسخة الزبير ود ضوة، وهذة النسخة مودعة في المكتبة الأهلية في باريس تحت الرقم 5969، و عنوانها مخطوطة ملوك الفونج و أقاليمه إلى حكم سعيد باشا و تتكون هذه النسخة من 75 صفحة، و إن كاتبها هو الزبير عبدالقادر ولد الزين المشهور بالزبير ود ضوة.
-نسخة لندن، و تحفظ في المتحف البريطاني بلندن تحت الرقم 5432، و تتكون من 110 صفحات أهداها شارلس غوردون للمتحف البريطاني في 1881م.

Related posts

إشكالية إدارة التنوع الثقافي في السودان

الديمقراطية للديمقراطيين

جرائم عبر القرون ج (10)

3 تعليقات

حسين عبدالله حسين تيراب 2021-10-11 - 2:04 مساءً
مهتم جدا بالمجلة
زهراء جبريل حلو 2021-10-08 - 12:51 مساءً
شكرا جزيلا فكرة ممتازة جدا ساحاول في المرات القادمة الكتابة عن محتوي المخطوط
Hamid Ahmed 2021-10-08 - 6:00 صباحًا
عمل جيد كي يكون ممتاز اقترح ان تضيف الكاتبة معلومات عن محتوى الكتاب نفسه ولو قليلًا. كذلك التبحر عن نسخة اسطانبول؛ هل رأتها راي العين؟
Add Comment

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. أقرا المزيد...