بروس تريجر
ترجمة فؤاد عكود
يبدو أن اللغة المرَّوية كانت هي اللغة السائدة في إقليم وادي النيل الأوسط قبل انتشار النوبية هناك، وهى لغة معروفة لنا من العديد من النقوش بأبجدية أخذت جزئياً عن الديموطيقية المصرية، لكنها غير قابلة للترجمة حتى الآن. وقبل أن ينشر جريفيث Griffith 1909; id. 1911 القيم التقريبية للحروف المرَّوية، كان لبسيوس Lepsius 1852; id. 1880 قد أشار إلى أن المرَّوية ربما كانت إما لغة كوشية أو أنها كانت شكلاً قديماً من اللغة النوبية. ولفترة اعتقد جريفيث بأنها ربما تكون سلفاً لـ اللغة النوبية، وتعرف على عدد من الكلمات التى كانت أو يبدو أنها كانت مشتركة في اللغتين. ومع ذلك فقد حدث تقدم قليل على طول هذه الخطوط وسرعان ما تخلى جريفيث عن الفرضية النوبية Griffith 1916: 123. وقد كانت الفرضية الكوشية أو الحامية قد تم تبنيها من قبل كل من كارل ماينهوف Meinhof 1920 وزهلارز Zyhlarz 1930; id. 1956، اعتمدت فرضية الأخير على التوافق بين النظام الجنسي والسوابق المفترضة. وبرغم أن هذه الأخيرة قد فتنت بعض الأنصار Olderogge and Potechin 1954 فإنها لم تفض إلى ترجمة اللغة المرَّوية. وفي مقال هام صدر مؤخراً هدم العالم الألماني فرتز هنتزا Hintze 1955 الحجج الأساسية التى تقوم عليها.
حفزت دراستي الشخصية للمرَّوية ملاحظة أن الكثير من التشابهات التى تم اقتراحها بين اللغتين المرَّوية والنوبية هى أيضاً متشابهات مع لغات شرق سودانوية أخرى. متبعاً هذا الأسلوب الاستقصائي وجدت عدداً من التشابهات النحوية والمفردات التى قادتني للاستنتاج بأن المرَّوية ربما كانت لغة شرق سودانوية، وبالتالي، ذات صلة بالنوبية، لكن أقل صلة مما اعتقده جريفيث في الأصل Trigger 1964 **. لازالت معرفة موثوقة بالمروية بعيدة المنال وأود أن أشدد هنا على أن هذه الفرضية مبدئية للغاية.
تحتل اللغات الشرق سودانوية اليوم منطقة كبيرة في الشطر لجنوبي للسودان وفي شرق أفريقيا. وفي الشمال هناك عدد من اللغات الشرق سودانوية معزولة وتشكل جزراً داخل بحر اللغة العربية. وقد يمكن تفسير هذا إما بحسبانها لغات معزولة شقت طريقها شمالاً في الأزمنة الحديثة نسبياً، أو بوصفها بقايا من التوسع باتجاه الشمال لـ اللغات الشرق سودانوية الأكثر صلابة. إذا كانت إعادة التركيب هذه صحيحة، فإن الجزء الشمالي الغربي من السودان النيلي لا بدَّ وأنه كان مأهولاً بدرجة كبيرة بالمجموعات المتحدثة باللغة الشرق سودانوية مع بداية العصر المسيحي. أما اللغة المرَّوية التى شغلت وادي النيل الأوسط فقد فعلت ذلك على ما يبدو لفترة معتبرة من الزمن. أما في أراضي السهول إلى الغرب فقد كانت هناك كتلة كبيرة من المتحدثين باللغة النوبية في وقت مبكر من العصر المسيحي. شق بعض المتحدثين بأحد فروع اللغة النوبية طريقهم شمالاً إلى أرض النوبة الحديثة، بينما شق البعض الآخر طريقه شرقاً إلى منطقة الخرطوم حالة النوبية محل المرَّوية. وبعد غزوات العرب اختفت النوبية من المنطقة الأخيرة وانتشرت العربية داخل أراضي السهول.
علق كل من مردوك Murdock 1959: 158، وبنتلي وكروفوت Bentley and Crowfoot 1924 وآخرون Adams 1964: 169-170 عل الأقدمية طويلة الأمد للعديد من السمات الثقافية في السودان. ويمكن رؤية مثل هذه الاستمرارية في المصنوعات الفخارية Adams Op.Cit، والحلي الشخصية، Kronenberg 1962، وتشويه الجسد Murdock Op.Cit. ويبدو أنها تتحد مع الاستقرار المطرد للسكان (السمة الفيزيقية الجسدية)، وفي اللغة. ويجب ألا يكون هذا ملازماً في وادي النيل للاستقرار الجغرافي لـ اللغات النوبية، ولكن مع استقرار المجموعات اللغوية الشرق سودانوية التى هى عضو فيها. وسواء كانت المرَّوية عضو أو لم تكن في هذه العائلة اللغوية واسعة الانتشار، فإن المتحدثين بها قاموا بدور ريادي في تاريخ هذا الجزء من أفريقيا. لقد تحدث باللغات الشرق سودانوية الرعاة، وفي الأزمنة المبكرة الجماعات التى مارست الصيد والالتقاط، وكذلك معظم المجموعات المتحضرة وبشكل كبير في سودان العصور الوسطى. وإذا كانت المرَّوية أيضاً لغة شرق سودانوية فقد تحدث بها أيضاً الشعب الذى شيد أول حضارة في أفريقيا فيما وراء البحر الأبيض المتوسط.
ملخص:
لقد تم طرح العديد من النظريات المتعلقة بموطن اللغات النوبية. وتوحي الأدلة التاريخية واللغوية الحالية على أنها كانت في كردفان ودارفور، وأن النوبية دخلت أولاً إلى وادي النيل الأوسط بين عامي 200 و 500 بعد الميلاد وهناك حلت محل المرَّوية التى يبدو أنها كانت اللغة المتحدث بها في المنطقة على مدى أزمان طويلة. وربما كانت المرَّوية – وهو ما لم يتم إثباته بعد – لغة من مجموعة اللغات الشرق سودانوية. إذا كان الأمر كذلك فإن استمرار العديد من السمات الثقافية في السودان ربما تلازمت مع استقرار المتحدثين باللغة الشرق سودانوية في ذات المنطقة.
هوامش:
* يترجم آركل في عمله هذه الفقرة بطريقة غير موفقة بوصفها تشير إلى أن النوبيين كانوا حينها قد استقروا في موقعهم الحالي. في الكتاب نفسه، يدعم آركل الهجرتين الشرق- الغرب والغرب – الشرق (ص. 178).
** في رسالة بعث بها إلي مؤخراً بيتر شيني أبان أنه توصل بصورة مستقلة إلى أن المروية تنتسب إلى العائلة النيلية-الصحراوية التى تشكل الشرق-سودانوية فرعاً منها.