غنى المغني
(كرري أخلد ذكرى .. لليكون و الكان)
طوال تاريخ الحروب بين أنصار المهدي والإمبراطورية البريطانية، لم تنتصر الجيوش البريطانية على السودانين الأنصار منذ أول معركة في الجزيرة أبا وحتى قبل معركة كرري، وقد كتب المراسلين الحربيين في ذلك الكثير وعلى رأسهم تشرشل:
إنهم أشجع من مشى على وجه الأرض
قال عضو مجلس اللوردات البريطاني عند سماع نبأ هزيمة حملة الجنرال مورقن هيكس.
” إن شرف القتال يجب أن يسدى إلى أولئك الذين حصدهم الجيش الإنجليزي.
من كتاب (مع كتشنر إلى الخرطوم ) -جورج استيفنز
لعل التاريخ لم يشهد كارثة عسكرية منذ أن حل بجيش فرعون الغرق في البحر الأحمر، كتلك التي حلت بجيش الجنرال مورقن هيكس في صحاري كردفان. إذا غضب الله على قوم أرسل لهم عثمان دقنة.
أسباب الهزيمة الرئيسية لم تكن تتعلق بالأعداد أو العتاد في المقام الأول بقدر ما تتعلق بكشف ظهر القادة و المقاتلين للأعداء، الذين بذلوا المال، العطاء، والوعود لضعاف النفوس من السودانيين، حتى أصبحت خطة وتحركات وعتاد جيوش المهدية معلومة للبريطانيين.
النقطة الثانية كما ذكر تشرشل
ما هزمناهم ولكن دمرناهم بآلة الحرب.
كان إستخدام آلة حربية حديثة نحو مدافع المكسيم، والرشاشات في أول استخدام لها هي من أكبر نقاط التحول في الحرب بين الجيوش المستعمرة وجيوش السودانيين.
نعم كرري كانت الهزيمة الأولى لجيوش الدولة المهدية، ولكنها رسخت لدولة السودان الحديث وشكلت جسر إستمرارية لجينات الكوشي التي لا تموت، و هزم الإنجليز يوم الجلاء العظيم، وظل السودان يقاتل أذيال الإستعمار والمفتونون بوعوده الزائفة من أجل سودانيته التي يجب أن تكون.
الكاتب لم يشهد كرري و لم يشهد لحظات الجلاء، ولكنه شهد يوم ثورة ديسمبر وأهم ما شهد فيها كيف يقبل السودانيون على الموت و يقتحمون أفواه البنادق ليتأكد له قول الشاعر (شدة الموت ما بريدوا .. تقول بينهم قرابه).
فلم يحتاج أن يسأل (هكس) فقد أجابوا و أجابت الخرطوم وعموم أرض السودان التى تأبى أن يحتمي بها طاغية، وأيقن الكاتب أن هؤلاء الفتية من صلب أولئك الرجال ويحملون ذات الجينات الكوشية التي لا تموت.
بعد مائه وأثنين وعشرون عاماً من ملحمة كرري هل سنهزم من الداخل بذات الواشين و ضعاف النفوس من مفتوني الخارج أم سننتصر لسودانيتنا؟
لما لا نتفق فنتميز بدولتنا السودانية ذات النظام السوداني والإقتصاد السوداني والتوجه السوداني والدستور السوداني
مستلهمين شعارات الثورة على مبدأ سوداني أصيل تكافلي (عندك خت ما عندك شيل) فليقم الإقتصاد على هذا ، وليقم الأمن على فداء الثائر للثائر الذي يتلقى الرصاص عنه.
ولتقم الخدمة المدنية على مبدأ (أنتوا اشتغلوا شغلكم و نحن بنشتغل شغلنا) كما ذكر الشهيد وليد. لما لا نكتفي بسودانيتنا وفيها ما يكفي ويزيد.
كرري ملحمة البداية وديسمبر ملحمة البناء.
1 تعليق