كبرياء الطُغاة 

كان وما زال الحديث عن الكبرياء بمفهومه المتداول في كثير من المجتمعات العربية أمراً فيه من الاختلاف والجدل الكثير حول المعنى المقصود به مجازاً مقارنة بالمعنى الحقيقي للكبرياء ، فالإنسان بطبيعته يتكبر ويترفع عن الإنقياد ، وفي نفسه حُب السلطة ، ودائماً ما يهوى المناصب وكسب قوة السلطان ، وفي تقدير الذات يتجاوز الحدود رفقة شعوره المُفرط بقيمته وأهميته ، كل ذلك شعور طبيعي ما لم يؤثر بالسلب على الأخرين ، فعلى ضوء ذلك التأثير تختلف الأمنيات والأحلام باختلاف المراحل والأزمان ، فبعض الناس في مرحلة ما كان يتمنى أن يكون (ألفة الفصل) فقط ليُسيطر و يتحكم على الطلاب في حركتهم وسكونهم ، فذلك ما يشعره بالقوة والسلطة والاهتمام ، وتلك هي الطريقة المشروعة للوصول لذلك الشعور بعيداً عن أساليب القوة وقيادة الأخرين بالعنترية وقوة العضلات.

اختلاف المراحل هذا جعل الكبرياء يبلغ ذروته عندما يأتي التصرف من شخص مسؤول أو صاحب منصب مهم ، لذلك ارتبطت مصطلحات الجبروت والاستعلاء بالمسؤولين وأصحاب المناصب ، ولكن كلُ منا بداخله طاغية صغير يخرج عند المواقف ليستعرض عضلاته ويُعبر بـ عصبيته وعناده عن مواقف وقرارات يتم اتخاذها بأنانيةً وقت الغضب أو عند الشعور بالقوة والعظمة ، بغض النظر عن ما تحمله تلك القرارات من أهمية ، مؤثرة أو غير ذلك ، فالمُتكبر لا يرى ولا يسمع إلا نفسه لتبقى الحقيقة (مُرة) عند ذكرها وقول الحق مُغضِب ومُوجِع ، والوقوف مع الحق قليل في زمن كثر فيه التطبيل لأصحاب السلطة والمال ، فأصبح التسبيح بأسم السلطان وحاشيته بمثابة (أكل عيش) لمن رضِي لنفسه الذل والهوان ووضع نفسه في خانة الدُونية ، فهؤلاء هم الوقود الذي يُشعل نار الكبرياء في نفوس الطُغاة فيحرقون بها كل من يخالفهم ولا يرضى حُكمهم.

لا تخلو تفاصيل الحياة اليومية من بعض مظاهر الكبرياء ، كما لا تخلو المجتمعات الصغيرة من الطُغاة ، فـ(أخوك) الذي يكبرك في العمر قد لا يسمع أرائك أحياناً ولا يهتم لحديثك لمجرد أنك تصغره سناً للحفاظ على كبريائه.

رئيسك في العمل قد يخالفك الرأي عِناداً لمجرد أنك على الصواب وهو على خطأ ، فلمست بصوابك كبريائه فخرج من جهله الغرور والاستعلاء.

رئيس الدولة قد يتخذ قرارات مُعادية ومؤذية لشعب كامل فقط لإثبات أن السلطة و القرار بيده لا بيد غيره.

المصطلح الذي ارتبط برؤساء الدول الفاسدين في مختلف بقاع الأرض و وصفهم بـ (الطُغاة) لم يكن بمحض الصدفة ، بل لتصدرهم المشهد وصعودهم الدائم على بورصات الظلم و الفساد ، لذلك تجاهل الناس صِغار الطُغاة ، فالمناصب السياسية التي يشغلها الإعلام ليل نهار هي من صورت لنا ذلك ، و العالم منذ سنوات طويلة أصبح يتحدث بلغة السياسة ، حتى أصبحت الأمراض والفيروسات وكل الاخبار المُحيطة بالإنسان لها ارتباط وثيق بالسياسة والسياسيين فأصبح المصطلح حكراً عليهم دون غيرهم ، أو هكذا أرادت لهم مجتمعاتهم.

لكن يبقى كبرياء الطُغاة ليس حكراً على الرؤساء ولا المسؤولين في نطاق السياسة فقط ، فالعناد والإصرار على الرأي الواحد أحياناً من طبيعة الإنسان وكبريائه ، قد يختلف تأثير ذلك من شخص لآخر ، و يتفاقم ويزيد مع أهمية المناصب ودورها الفعال في الاهتمام بحياة الناس ، فيكون الشعور بالعظمة والتعالي السمة الأبرز للشخص المسؤول عن ذلك وما أكثرهم إلا من رحم ربي.

ورقة أخيرة

يظل التعالي والتكبر والشعور بالعظمة من الصفات الغير مُرغوب فيها بين كل المجتمعات ، و الاستمرار على هذه الصفات ما هو إلا امتداد لكبرياء الطُغاة صغارهم وكبارهم ، وما أكثرهم حولنا ، في البيوت والشوارع والمدارس والجامعات وكل مكان ، فاللقب ليس حكراً على رؤساء الدول والسياسيين ، فكل من سولت له نفسه واتخذ من التعالي صفةً ومن الجبروت عادةً كان طاغية بكبريائه.

إلى لقاء

Related posts

السودان ما بعد الإتفاق الإطاري

حوار الطرشان

الصحافة مسؤولية .. وليست جريمة

2 تعليقات

Ibrahim 2020-09-10 - 10:03 مساءً
الورقة الاخيرة 👌
Rabab 2020-09-10 - 9:03 مساءً
اتمنى ربنا يبعد عننا وسواس العظمة و الكبرياء و يملأ كل انسان بشعور العطف و التواضع و احترام الغير 💙 مقال معبر و بالذات الورقة الأخيرة
Add Comment

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. أقرا المزيد...