Pain And Glory 2019
IMDb : 7.5/10
Rotten Tomatoes : 96%
الحياة في المجمل (وبصورة مختزلة) عبارة عن مجموعة من الخيارات المتصلة مع بعضها البعض، نتخذها بناءً على معرفتنا بذواتنا ونشأتنا والبيئة المحيطة بنا، وفي المقام الأول تربيتنا .. وبما أنه لا يُمكننا اختيار كيفية تربيتنا أو ديانتنا أو معظم شؤوننا في الصغر والتي على قدر كبير تُعتبر مصادر تُخبرنا كيف نعيش حياتنا ومستقبلنا .. فنحن بالضرورة نعيش حياة لم نعرف أصلاً أننا نريدها .. وغالباً مانستدرك ذلك متأخراً ..
المشهد الأول يخبرك بالكثير، رجل في الستينيات من العمر، ذو ندبة واضحة على إمتداد ظهره، مُثقل بالألم الجسدي والنفسي يتأمل على كرسيه وهو في عمق الماء.
الفيلم يتحدث عن المخرج الإسباني سلفادور مالو أو سلفا، الذي يُعاني من مشاكل جسدية ونفسية غير منتهية بسبب الإختيارات والقرارات التي اتخذها في الماضي والتي بدورها تؤثر على قراراته الحالية.
نعيش مع سلفادور حياته بالكامل، والصعوبات التي واجهته في الماضي والحاضر، وكيف يحاول التعامل معها بناءً على سلسلة اختيارته.
الفيلم من كتابة وإخراج بيدرو ألمودوبار، السيناريو يتحرك في مسارين، بين الماضي وهو يتحدث عن ذكريات المخرج التي لها تأثير كبير في معاناته الحالية .. سنعرف عن طفولته وقصة حبه، وكيف كانت علاقته بوالدته وتأثيرها على حياته مستقبلاً ..
وبين الحاضر الذي يتحدث عن ندمه وإحساسه بالذنب وبداية طريقه كمخرج سينمائي، ومحاولة إعادة التواصل مع ممثل كان قد عمل معه في فيلم سابق لترميم وإعادة إنتاج نفس الفيلم، وكيف بدأ أثناء ذلك بتعاطي الهيروين لكي يتغلب على ألام جسده ..
السيناريو كان على قدر كبير من التوازن بين المسارين، مصنوع بتأني، لا وجود للملل أو الإختلاط أو عدم التناسق من التنقل المستمر، وعلى العكس نجد ترابط وثيق، كل ذكرى تمر لديها علاقة بالمشهد الحاضر سواء كانت دافع أو مبرر أو سبب لأفعال سلفادور.
الكاميرا تدور في أسبانيا ومع الكثير من الألوان في كل مشاهد الفيلم، وهو ما يصنع حالة من النشوة والبهجة أثناء المشاهدة.
هنالك دائماً جانب درامي حول ما حدث لنا في الماضي وكيفية استعادة ذكرانا عنه حسب الموقف الحالي .. وهذا يظهر جلياً في النهاية العظيمة.
الفيلم في نقطة ما يتحدث عن الثقب الأسود الببتلع كل كاتب في فترة معينة من مسيرته، وعندها يكون عاجز عن الكتابة إما لعقبات ملموسة أو فجوات نفسية غير محسوسة، وكيف يمكن لهذه الثغرات إما أن تهزمه ويظل عاجزاً أو يتخطاها ويظل صامداً.
(يجب أن تهرب من الإنفعال العاطفي، ليس من الأفضل أن تكون ممثلاً يبكي، بل ممثلا يحبس دموعه).
هذا ما قاله انطونيو باندرياس في الفيلم وفعله في أدائه حقاً، فهو لا يبكي ولكن تشعر أنه على الجرف، تمثيل عظيم جداً، يكاد يكون أفضل أدواره .. الإتقان أيضاً من جانب بينلوبي كروز، ماذا نقول !! تمثيل ممتاز ولكنة جميلة.
الفيلم برغم الألم والندم والإحساس بالعجز البتملكك أثناء المشاهدة، الا أنه انسيابي وهاديء ومريح للبال، ومصفي للذهن، شغل حقيقي فعلاً، من أجمل أفلام 2019 بالتأكيد.
وفي زاوية أخرى نرى ربط اسم الفيلم بين الألم والمجد، وهذا واضح داخل الفيلم وحتى خارجه، أحدهما يؤدي للأخر .. لايوجد مجد بدون ألم ولكن ليس بالضرورة أن كل ألم يُوصلك للمجد فربما تتألم على الشيء الخاطيء، لذااختر ألمك بعناية ..