كان ومازال الحديث عن العُنصرية في مفهومها الضيق و تعريفها المحدود لدى الكثيرين حول التعامل مع ذوي البشرة السمراء و السوداء والتقليل منهم، حديثا عاطفيا يتفق عليه الجميع علنا باختلاف ألوانهم ويبقى ما بداخلهم من تمييز عُنصري ونظرة احتقارية تجاه هؤلاء يخرجونها متى ما حان وقتها أو حضر موقفها .
وما زال البعض ومنذ التاريخ الأقدم للبشرية يرون أن هناك فروقات وعناصر موروثة بطبائع الناس وقدراتهم، و عززوا ذلك بانتمائهم لجماعة أو عِرق معين ، فجعلوا لأنفسهم مبررا لمعاملة الآخرين ممن يرونهم أقل منهم بشكل مختلف اجتماعيا وقانونيا.
الحديث عن العنصرية والتمييز العرقي أصبح مستهلكا ولا يسمن ولا يغني من جوع، فكلما تصدرت واقعةً المشهد خرج الجميع يندد ويستنكر ذلك برفع اللافتات وكتابة المنشورات ونشر الهاشتاقات.
فالجميع يدعي المثالية في وقتها رغم ممارستنا للعنصرية يوميا بكل أشكالها و اختلاف أنواعها.
ولكن تبقى عُنصرية المكان من الأشياء التي نتجاهلها جميعا رغم أنها جزء لا يتجزأ من العُنصرية في مسماها التقليدي.
فالحُكم على الناس لمجرد معرفة منطقتهم الجغرافية أصبح من الأحكام القطعية الغير قابلة للطعن و لا الإستئناف وذلك ما نُمارسه كل يوم وفي كل مكان.
دائما ما كنت أسأل نفسي لماذا الجنوب؟
لا أقصد جنوب السودان فحسب، فما عاناه الجنوب وإنسان الجنوب في بلادي لا يخفى على أحد، فلن أزيد ولن أزايد عليه، ولكن أعني الجنوب الجغرافي لأكثر المدن والعواصم والدول بل و القارات كذلك، دائما ما نجد إنسان الجنوب هو الأقل وعيا والأكثر تهميشا، وهو من تُمارس عليه العُنصرية بكل أنواعها واختلاف أساليبها، ومنطقة الجنوب الجغرافي كذلك هي الأقل تطورا والأكثر فقرا وجهلاً.
عُنصرية المكان دائما ما تأتي برعاية الدول وحُكامها، فلو أرادت حُكومات الدول نبذ ذلك لفعلوه بكل الطرق ولكن من يسبقك إن كنت تجري وحدك !
أمريكا الدولة الأقوى عالميا ومضرب المثل لجميع المقارنات وفي شتى المجالات، و رغم تحضر الجنوب الأمريكي خلال العصور الأخيرة وجذب الكثيرين إليه من المواطنين والمهاجرين واعتباره المنطقة الأكثر نموا في الولايات المتحدة والأكثر صناعة وحضارة إلا أن نسبة الفقر فيه عالية جدا مقارنة بالمتوسط الأمريكي، وينتشر الفقر خاصة في المناطق الريفية، وعرف عالميا أنه منطقة السكان ذوي البشرة السمراء الذين دائما ما يتصدرون عناوين الجرائم والعنف والفوضى، فكان نصيبهم من العُنصرية أكبر وأكثر انتشارا.
فكلما تفشى الفقر في مكان ما أعلم أن العُنصرية اتجاهه حاضرة بكل قوتها.
دول جنوب أوربا كذلك عانت ما عانته من العُنصرية إذ يعتقد الأوروبيون أن التمييز على أساس الأصل العرقي هو الشكل الأكثر شيوعا من التمييز في أوروبا.
ففي بلغاريا قامت عدة حركات بمسمى أحزاب جديدة كلها تدعو الى العنصرية مما دفع نحو (112) من المثقفين للتوقيع على عريضة إلى المُدعي العام لعدم تسجيل تلك الحركات العنصرية.
كذلك في فرنسا ظلت الآراء المعادية للمهاجرين والتي تعتبرهم ضرراً إما على اقتصاد أو أمن الدولة الفرنسية، هذه الآراء شملت المهاجرين من وسط أوروبا والأفارقة خاصة.
و أيضا في سلوفينيا كان الغجر هدفا رئيسيا للعنصريين السلوفينيين في القرن الـ21 لكونهم مختلفين عن باقي السكان.
في تركيا كذلك توجد مظاهر من العُنصرية والتمييز العرقي في مجتمعها وطوال تاريخها، ويظل التمييز مؤسسي ضد الأقليات غير المسلمة وغير السنية ؛ ويظهر بشكل رئيسي في شكل مواقف وتصرفات سلبية من قبل الأتراك تجاه الأشخاص الذين لا يعتبرون عرقياً أتراكاً، وكذلك العداء تجاه الأقليات الإسلامية مثل العلويين والصوفيين والشيعة.
كما لا تخلو مظاهر العنصرية بأنواعها تجاه دول الجنوب الأوروبي الأخرى خاصة الدول الأقل قوةً و اقتصادا والأكثر فقرا من نظيراتها الاوروبيات مثل (ألبانيا ، مقدونيا ، البوسنة والهرسك ، أندورا ، الجبل الأسود ، مالطا ، سان مارينو وغيرها).
في آسيا كذلك تبدو دول الجنوب الأكثر نصيبا من التمييز العُنصري ، فنظرة الأغلبية الى دول مثل (بنغلاديش ، سريلانكا ، نيبال ، بوتان وغيرها) نظرة ضعف وفقر وازدراء.
أفريقيا الأم ظلت تعاني من العُنصرية الى يومنا هذا، لتبقى نظرة العالم إلى تلك القارة موطن الجوع والفقر والمرض نظرة الاحتقار و الذل.
لذلك نجد أن اغلب دول افريقيا او جميعها تعتبر من دول العالم الثالث بحسب التصنيفات الاجتماعية والاقتصادية.
إلا أن دول جنوب القارة تعاني ذلك داخليا من دول شمال إفريقيا بصفة خاصة، فالعٌنصرية تُمارس ضد دول الجنوب الأكثر فقرا وضعفا مثل (مدغشقر، مالاوي، موزمبيق، ناميبيا، سوازيلاند، زامبيا، زيمبابوي وغيرها).
في بلادي لا يختلف الحال كثيرا فالجنوب مل من ما يُمارسه عليه الشمال من تمييز في كل شيء فقرر الانفصال دون رجعة،
حتى جنوب الحزام لم يسلم من عُنصرية المكان، وان رددوا باسمهم في المناسبات والافراح طربا (قالوها استهزاءً).
لن تنتهي العُنصرية في حياة الناس ما داموا فيها، فحياة البعض قائمة عليها ؛ ولن ينتهي التمييز ما دام المُميز بشراً تغُره الحياة بملذاتها فيتوج نفسه ملكا والاخرين عَبيدُ.
لتبقى بعض الأسئلة المطروحة في انتظار الإجابة :-
هل حكمت جغرافيا المكان بأحكامها فجعلت للجنوب نصيبا أقل ؟
أم هو الإنسان إن اعطته الدنيا وجهها اعطى الناس ظهره و كلما صغُر عقله زاد غروره وتكبره ؟
أم هم بنو أدم بأعمالهم يتفننون، تركوا الفقر يهجُم والشر يحكُم وقبلهما النفس تظلُم؟
إلى لقاء
2 تعليقات