عهد التركية في السودان (الحكم العثماني) ج”8″

اعتلى الباشا الثالث محمد سعيد عرش مصر خلفاً لإبن أخيه عباس الأول الذي فشل في وضع بصمة نجاح في إدارة البلاد. كان محمد سعيد نصيراً للثقافة الفرنسية، كما تعارف بين الناس على أنه حسن النية ومحباً للإصلاح، وفي عهده صدر أول أمر بإلغاء تجارة الرقيق.

حالة من الفوضى قبل تطبيق اللامركزية :-
عندما تولى سعيد باشا الحكم في مصر كان على باشا سري حكمداراً على السودان، وكان أسوأ من حكم البلاد في ذلك الوقت نسبة لإنغماسه في الرشوة والإختلاس مما جعل الضباط والموظفين يخرجون عن أوامره فأمر سعيد بعزله والتحقيق معه رغم محاولات علي بأن يرضيه بإرسال مقدار كبير إليه من الذهب. وجاء من بعده على باشا جركس حكمداراً، ولكن في عام ١٨٥٥ عُين الأمير عبد الحليم حكمداراً على السودان ولكنه لم يلبث حتى عاد إلى مصر عام ١٨٥٦ لإنتشار أحد الأوبئة في السودان ونصحه الأطباء بالعودة.


إلغاء منصب الحكمدارية وعودة النظام اللامركزي :-
رأى محمد سعيد بأن يقوم بزيارة السودان بنفسه خصوصاً أن الفترة الأخيرة وصلته العديد من الشكاوى التي تدل على إضطراب الإدارة.. فلما دخل البلاد رأى من مظاهر الظلم والفساد ما رأى فعزى ذلك إلى النظام المركزي بحكم أنه سبب هذه الفوضى، فأمر على الفور بإلغاء منصب الحكمدارية وتطبيق اللامركزية، وتحت هذا القرار أعُيد تقسيم البلاد مرة أخرى إلى خمس مديريات هي :الخرطوم وتشمل (سنار وفازوغلي)، و بربر، و دنقلا، وكردفان، والتاكا. وأمر محمد سعيد المديرين الإتصال به رأساً في القاهرة.

محاولات محمد سعيد في تحسين النظام الضرييي :
وفي الحقيقة كان يرجع إضطراب الإدارة وتلك الشكاوى التي وصلت للباشا إلى إختلال النظام الضريبي وفداحة الضرائب في السودان. فأجرى الباشا تخفيضا عاماً على فئاتها المفروضة على الأراضي الواقعة على النيل وغيرها. كما أمر بإلغاء المتأخرات على الضرائب، وكُونت لجان لتقدير الضرائب على الممتلكات الأخرى ومن الحيثيات التى قام بها محمد سعيد في هذا الصدد بأنه أمر بإبعاد الجنود النظاميين وغير النظاميين عن جمع الضرائب وأن يقتصر عملهم على حفظ الأمن والدفاع عن البلاد، وعليه أصبح جمع الضرائب من إختصاص مشايخ القرى الذين ينتخبهم الأهالي، والذين يؤدونها إلى كبار المشايخ أو إلى المديرية رأسا.


ومن جانب آخر كما ذكرنا بأن محمد سعيد محباً للإصلاح الأمر الذي دفعه بأن يأمر بتنظيم المدن والشوارع، وغرس الحدائق في الميادين العامة، وتنظيم البريد بين المديريات وبين السودان ومصر، وفي خطوة إصلاحية أخرى تم وضع عدد من الجنود بقيادة نقيب لحراسة خزانة كل مديرية.
الباشا في خواتيم عهده :-
ورغم أن سعيد كان متعلماً مثقفاً، وجاهداً في الإصلاح  لكن محالاوته في تحسين الإدارة فشلت ولم تنجح مثلها ومثل محالاوت عباس الأول.. والذي كان سبب فشله هو قصر الفترة التي قضاها الحكمداريين في عهده، ولكن كان سبب فشل محمد سعيد يرجع إلى ضعف قبضته على البلاد، وتلاعب المشايخ بالأموال وجورهم على المواطنين، وتمردهم على المديرين نسبة لزوال هيبة الحكمدارية.. لذلك أرسل محمد سعيد في أواخر عهده موسى باشا حمدي حكمداراً على السودان عام ١٨٦٢ م فأعاد بذلك المركزية مرة أخرى.

Related posts

إشكالية إدارة التنوع الثقافي في السودان

الديمقراطية للديمقراطيين

جرائم عبر القرون ج (10)

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. أقرا المزيد...