الرئيسية تاريخ وسياحةتاريخ السودان عهد التركية في السودان (الحكم العثماني)ج”٣”

عهد التركية في السودان (الحكم العثماني)ج”٣”

بواسطة مأوى عبدالعزيز
334 مشاهدات

خطوة بخطوة سنبدأ بالنبش في تاريخ السودان الحقيقي، و سنزيل الغبار عن المعلومات التي تركت أثراً ملموساً على أوجه الحياة السودانية من جميع الجوانب في ذلك الوقت؛ خصوصاً بعد أن وضحت ملامح الإدارة التركية في السودان.. واستغلالها لموارد السودان أسوأ استغلال ، وفي هذه الجزئية سنعرف ماذا حل بابن الباشا إسماعيل بعد أن تمكن من السيطرة على معظم أجزاء السودان مما زاده غروراً على غرور، وكيف ستكون نهايته.
 إعادة النظر في نظام جمع الضرائب قبل رحيله لمدني:-

ما كان للسودانيين تحمل ضغط الإدارة، وفرض الضرائب بقوة السلاح و تلك القسوة البالغة في جمعها،   وإزاء ذلك الموقف إنقسموا إلى فريقين أحدهما التجأ إلى الحبشة، و الآخر بدأ يفكر بالإنتفاض والثورة على نظام الحكم.. وقد أشاعوا فيما بينهم أن الباشا قد قتل في الجبال وحينما رجع إسماعيل وسمع بأخبار الثورة اتجه نحو سنار، وبدأ بإستمالة الأهالي وعاملهم بالرفق في تحصيل الضرائب، و وعدهم خيراً.. فهدأت الأحوال في سنار و وسط الأهالي، ومن جانب آخر وبسبب مناخ سنار الوخيم قرر إسماعيل باشا الإنتقال إلى ود مدني؛ وقد بني فيها الثكنات، و مكاتب الحكومة، و رتب حكومة للقرى قوامها “قائمقامات” لكل عدد منها و يساعد “القائمقام” مشايخ للأخطاط.
قرار بالعودة إلى مصر بعد مكوثه عامين :-
بعد أن عادت المياه إلى مجاريها، وهدوء الحال في سنار قرر إسماعيل العودة إلى القاهرة بعد أن” أُذن له” و خاصة  أنه قضى وقتاً في القتال و الغزوات في بلاد لم يألف غذائها ولا طقسها؛ و بسبب التمتع بالشهرة التي نالها بسبب هذا الفتح.. و يقال أن القاهرة جهزت له استقبالاً حافلاً كالذي قابلت به أخيه إبراهيم حين عاد من فتوحاته من الحجاز.. علاوة على هذا كان إسماعيل يرهب ويخاف والده ، وحاول جاهدا إرضاءه ولكنه لم يستطع أن ينال الرضى و التقدير الكافي بسبب أنه عرف من الخطابات التي جائته من مصر.. بأن ما وصل إلى مصر لم يكن بالشيء الكافي و المنتظر من بلاد عرفت بخيراتها الوفيرة.

 إسماعيل في أرض الجعليين و نهايته على أيديهم ١٨٢٢:-
و المقصود بالجعليين هنا هي تلك القبائل التي تقطن بين نهر عطبرة و شلال السبلوقة جنوباً، و تعتبر شندي، و المتمة من أهم المراكز الإدارية و التجارية في تلك المنطقة، و كان زعيما الجعليين هما المك مساعد في المتمة و المك نمر في شندي كما كان نمر يتمتع بنفوذ كبير جداً، و لكن يجب أن نأخذ في الإعتبار  أن أول لقاء بين إسماعيل و نمر كان في عام ١٨٢١ في حملة إسماعيل الأولى إلى سنار.

المك نمر

وقتها لم يسلم المك نمر سيفه لإسماعيل كما فعل بقية الزعماء الذين سبقوه لذا تفجر الاحتكاك بينهم منذ البداية.. دارت الأيام و ها هو إسماعيل في عام ١٨٢٢ ، و في طريق عودته إلى القاهرة حينما سمع أن المك نمر ينوي على الثورة عزم على تأديب الجعليين، و عند وصول إسماعيل إلى شندي طلب من المك نمر أعدادا كبيرة من الماشية، والجمال، والنقود تقدر بحوالي عشرين ألف من الجنيهات في ظرف يومين فقط، و لكن نمر أبدى إعتراضه بقوة لم يرضاها الباشا، ودارت بينهم محادثة شديدة اللهجة.. فلك أن تتخيل عزيزي القاريء  في محاورة دارت بين ابن الباشا الشاب الذي يتصف بالغرور و المنهجية، و بين زعيم قبيلة تعتد بكرامتهم الشخصية و تعتبر المساس بها بمثابة النهاية لوجودهم… و أن ضربة البداية التي لم تكن في الحسبان حينما وصل الأمر باسماعيل بأن يصفع نمر على وجهه “بغليونه” و فوراً هم نمر بسحب سيفه للإنتقام، و لكن المك مساعد قد غمزه بيده – و في رواية أخرى تحدث معه بلغة محلية غير العربية – بأن يرجي الإنتقام لفرصة أخرى.

ولما جاء الليل أُعِدّت وليمة للباشا، و أصحابه قدم لهم فيها الأشربة حتى سكروا و ناموا،  و وضع الحطب و القصب حول المنزل الذي كانوا فيه وأُشعلت النيران.. اختلفت الروايات الرسمية لتوثيق الكيفية التي مات بها إسماعيل فبعضهم يقول مات حرقًا والآخر يقول:  ” عمل حرس الباشا المخلص لحمايته من النيران فَطُوِقُوا حوله ولكن من أثر الدخان تراموا عليه فمات مختنقا”. وكانت تلك النهاية في أكتوبر ١٨٢٢.
المجازر البربرية و الرعب الذي أشاعه الدفتردار بعد مقتل إسماعيل:-


بعد مقتل إسماعيل في شندي هجم وثار بعض الناس على الحاميات التركية بين الدامر وسنار، و أزاحوها من المتمة، وكرري، وحلفايا الملوك، والعليفون وبعد سماع الدفتردار “سفاح الباشا” بجميع هذه الأحداث المزعجة أصبح المسؤول الأول عن جميع القوات التركية في السودان؛ وتوعد للسودانيين بحملة انتقام هائلة فسار نحو المتمة وقام فيها مجازر عظيمة قُدِّر القتلى فيها بخمسة آلاف، ثم اتجه شمالا إلى بربر وأما الجعليين أتباع نمر ومساعد فقتل منهم ألف وبعضهم أُغرقوا في النيل وفي خلال ذلك تجمع بعض الثوار بالجزيرة في قرية عبود بقيادة الأرباب دفع الله  وحسن ود رجب ولكن تم القضاء على ثورتهم.


مصير المك نمر وبقية أتباعه :-
بعد اغتيال إسماعيل باشا في شندي فرّ المك نمر، و من بقى من أتباعه – في الوقت الذي كان الدفتردار يبحث عنهم ليوقع بهم- و استقروا أخيراً على حدود الحبشة في مكان يدعي “ولكيت” بين القلابات و نهر ستيت، حيث صاروا ملجأ للساخطين على الحكم التركي، وظلّوا يشنّون غاراتهم عليه كلما وجدوا إلى ذلك سبيلا.

Digiprove sealCopyright secured by Digiprove © 2021 Ashraf Eltom

ربما يعجبك أيضا

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. أقبل أقرا المزيد...

-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00