عهد التركية في السودان(الحكم العثماني)

   بمنتصف عام ١٨٢١، وبعد سقوط سلطنة الفونج التي بموجبها تمكن الحكم التركي من إرساء قواعده، والتوسع في أرجاء البلاد عقبها قرر محمد علي فتح كردفان ودارفور، وقد كان جيش الفتح وكِّلت قيادته لمحمد بك الدفترار – صهر محمد علي باشا – ويتألف من ثلاثة آلاف جندي، ومعهم ثلاثة عشر  مدفعا.. تحرك الجيش في أواخر ١٨٢١ من الدبة بالطريق الصحراوي نحو كردفان بالتحديد صوب بارا، نسبة لموقعها الإستراتيجي الجاذب لجيش الغزو.. يدله على الطريق الشيخ سالم رئيس قبيلة الكبابيش “وهي القبيلة التي تقطن بين مصر، والمناطق الغربية للسودان، والتي كانت تحمل البضائع من وإلى مصر من تلك المناطق” وقد أمدت جيش الدفتردار بما احتاج إليه من جمال لنقل العتاد إلى غرب السودان، وكانوا خير دليل لتحديد أماكن الآبار ومناطق المعسكرات.وقبل أن يصل إلى الأبيض عاصمة الفور أرسل إلى سلطانها محمد الفضل ينصحه بالتسليم، فرد ود الفضل: أما علمت أن عندنا العباد والزهاد، والأقطاب والأولياء الصالحين من ظهرت لهم الكرامات في وقتنا هذا وهم بيننا يدفعون شر ناركم، فتصير رمادا، ويرجع إلى أهله والله يكفي شر الظالمين. لكن الدفتردار تقدم إلى كردفان دون أن يعترضه أي معترض.


*موقعة بارا  أبريل ١٨٢١ :-
قبل وصول جيش الدفتردار إلى بارا، كان السلطان محمد الفضل قد عين المقدوم مسلم واليا عليها وقد عزم الأخير على الحرب وظل ينتظر العدو بالقرب من بارا؛   وفي السادس عشر من أبريل عام ١٨٢١ التحم الجيشان فاندفع جيش المقدوم لايظن سوى النصر ( كما فعل الشايقية من قبل)، وكما هو متوقع لم يكن من السلاح الحديث إلا أن ينتصر على السلاح القديم، وخرج المقدوم مسلم صريعا في ميدان المعركة، هكذا انتهت واقعة بارا بانتصار الغزاة وسقطت كردفان في يد الدفترار.. وبهذا انتهت مهمة الحملة في ذلك الوقت، وأرجأ محمد علي فتح دارفور حين رأى أنه احتل جزءاً ضئيلا من كردفان فما زالت جبال النوبة، وقبائل البقارة بعيدة عن سلطته كما رأى أن ليس لديه من المال ما يكفيه لفتح تلك المملكة ، إضافة إلى إندلاع نيران الثورة في اليونان التي كانت تابعة للسلطان العثماني فقدر محمد علي أن السلطان سيحتاج إلى معونته.


*الإدارة ذات الطابع العسكري في عهد محمد علي :-
لقد امتاز الحكم التركي منذ الوهلة الأولى بالطابع العسكري في الإدارة، وبفرض الضرائب الباهظة واستخدام العنف في جمعها مما أدى بكثير من القبائل بالثورة على النظام الحاكم .. في البدء كانت الأوامر تتلاحق من القاهرة إلى إسماعيل، وهو في الطريق إلى سنار بما يجب أن يقوم به عند دخوله تلك العاصمة، وفي رواية تشير إلى أن يقيم إسماعيل في سنار نفسها، ويرسل معاونيه للغزوات في الجبال، والبادية. من جانب آخر قام محمد علي بإرسال ابنه إبراهيم باشا – القائد المحنك – إلى السودان بشأن تحقيق الغرضين الأساسيين وهما جلب الزنوج، واستخراج الذهب وعين، إبراهيم باشا قائداً عاما على التركية في سنار وكردفان فوصل في آخر أغسطس عان ١٨٢١.


*وضع ابنا محمد علي باشا للإدارة في السودان :-
عمل إبراهيم وإسماعيل على الاتفاق مع بعضهم البعض على القيام بحملتين؛ الأولى إلى أراضي الدينكا بقيادة إبراهيم، والثانية إلى جبال فازوغلي – شرقي النيل الأزرق –  تحت إمرة إسماعيل وكان الغرض من تلك الحملتين العودة بالذهب والزنوج إلى مصر.. وقد نجح إسماعيل في فتح فازوغلي فسلم ملكها الحسن في ديسمبر ١٨٢١، ولكنه لم يحصل على أكثر من ٤٧٧ من السود وعاد بالقليل من الذهب إذ لم يكن بالوفرة التي تخيلها محمد علي باشا. أما إبراهيم فقد مرض، وأصيب بزحار (دسنتاربا) ونصحه الأطباء بالرجوع إلى مصر فوكّل أمر حملته إلى طوسون بك الذي سار إلى أرض الدينكا، وعاد بحوالي ٦٠٠ من الجنود وللمرة الثانية كانت خيبة محمد علي عظيمة.


*سياسة الغزاة في تقسيم السودان وفرض الضرائب :-
قام إبراهيم باشا بوضع الأسس الإدارية في السودان، حيث قسم البلاد إلى أربعة أقسام إدارية هي دنقلا، وبربر وسنار، وكردفان وشمل قسم سنار منطقة الخرطوم، والجزيرة ثم أضيفت له منطقة فازوغلي بعد فتحها، وعين إبراهيم باشا ضابطا برتبة عقيد على كل عدد من القرى يتراوح بين ١٥ و٣٠ حسب احجامها، وقدر إبراهيم أن كل قرية تستطيع أن تدفع من ألف إلى ألفي ريال على أن يتم تقدير المبلغ بعد إجراء الإحصاء ثم عاد إبراهيم إلى مصر.
أثناء غياب إسماعيل في غزوته لجبال الصعيد اتفق محمد سعيد أفندي – وكيله- والمباشر حنا الطويل على فرض الضرائب فسجلوا القرى، ووضعوا ضرائب باهظة لم يألفها الناس من قبل فقد فُرضت على قرى سنار خمسة ريالات على رأس الرقيق ونصف ريال على البقرة، وربع ريال على الشاة، وفرضاً على المزارعين أن يمدو الجيش بالقمح، والضأن، وفرضت أيضا ضرائب على المساكن.. وربما كان جهل محمد أفندي، وحنا الطويل بمبادئ الإقتصاد و”السعي وراء ملء الخزينة التي يحرسانها” أدى إلى ارتكاب تلك الأخطاء الفادحة، خصوصا بعد استنادهم، وقياسهم للحالة بمصر وجهلهم  أيضا بأن السلع تختلف بإختلاف البلاد  فأهل السودان آنذاك اغلبيتهم يتعاملون بالذرة، والدمور كنقد، والريالات المتداولة بين الناس كانت قليلة.
هذا إسماعيل باشا البالغ من العمر ٢٧ عاما في عنفوان شبابه ابن عزيز مصر وفاتح مملكة سنار والقاضي على حكمها، وهذا نمر عاهل “أولاد جعل ” أشهر القبائل في السودان.. ترقبوا في الجزء القادم” ثورة الجعليين، واغتيال إسماعيل باشا، وما ترتب عليها من دمار وخراب”

Related posts

إشكالية إدارة التنوع الثقافي في السودان

الديمقراطية للديمقراطيين

جرائم عبر القرون ج (10)

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. أقرا المزيد...