تعرف على شخصيات سودانية … عائشه الفلاتيه
ولدت عائشه موسى احمد في امدرمان عام 1922 م وكانت عائشة مولعة منذ الصغر بالغناء وقد استلهمت من الغناء الخفيف المصادر الأولى لفنها الذي كان يعرف(بالتمتم ) فحفظت عدة أغنيات تجلت في أدائها وابتدأ اسمها يلمع وصوتها ينتشر بسرعة وكانت في ذلك الوقت حريصة علي أن تغني للأهل والأصدقاء في المناسبات الخاصة فكان من الطبيعي أن تحوز علي إعجاب كل من استمع إليها ….
كانت الفنانة عائشة الفلاتية تستمع للاغاني الفنان احمد المصطفي وحسن عطية وسرور من الراديو وتمنت من صميم قلبها أن تكون مثلهم وتغني في الإذاعة وإذا بحلم الفتاة يتحقق فقد سمع عنها الأستاذ حسين طه زكي مراقب الإذاعة في ذلك الوقت فاثني عليها ووافق علي تقديمها للمستمعين ليستمتعوا بهذا الصوت وهكذا غنت عائشة لأول مرة في الإذاعة أغنية (البلال تزورني ) ….
وبعد النجاح الهائل والرسائل التي انهالت علي الإذاعة من المستمعين اطمأنت عائشة لمستقبلها الفني كفنانة وزادت معنوياتها وشقت طريقها بثقة وكانت سعيدة جدا عندما تقاضت مبلغ خمسة جنيهات كأجر لها من الإذاعة ففرحت واشترت خروفا وأقامت حفلا لأقاربها وأصدقائها ابتهاجا بتلك المناسبة …
عن دخول الفلاتية الى عالم الشهرة والأسطوانات , من خلال الخواجة ( ميشيان ) الذى كان يقوم بإنتاج الأسطوانات بالقاهرة … وفى إحدى المرات التى كان فيها بالسودان من أجل إصطحاب بعض الفنانيين ليسجل لهم أعمال , فطلب من أحد الأشخاص وهو مصرى وإسمه ( محمد زقالى ) بأن يبحث له عن صوت نسائى جيد ليقوم بإنتاج أسطوانة لها , فكان ( محمد زقالى ) يعرف تماماً الفنانة عائشة الفلاتية فذهب لها وأخبرها بالأمر , فذهبت وغنت لهم وبعد أن إستمع لها الخواجة إنبهر بجمال وعزوبة صوتها , وقرر فى لحظته بأنها سترافقهم إلى مصر للتسجيل , إلا أن والدها رفض نهائياً أن تسافر إلى بلد لايعلم عنها شيئاً .. ولكن بعد محاولة عديدة من الخواجة مع والدها وبأنه مسئول أمامه مسئولية تامة عن أمنها وسلامتها وافق الوالد , وقام الخواجة بعمل كنتراتو بمبلغ ( عشرون جنيهاً ) لعدد ( ستون أغنية ) وكان ذلك فى عام 1936 م وسافرت الفلاتية فى ذلك التاريخ الى مصر وأقامت بدار الخواجة بصحبة شيالها ( أبوحراز ) مع أسرة الخواجة … وقامت بتسجيل عدد من الأغانى , وكانت أول أغنية تسجلها ( أغنية ياحنونى ) وأغنية ( من زمن بنادى ) والتى صار عبدالعزيز محمد داؤد يتغنى بها …
وفى تلك الفترة كان هنالك الفوتوغرام وكانت الأسطوانات توزع فى ( البازار السودانى ) وصاحبه كان الخواجة ( كاتيفانيدس ) وإبنه ( ديمترى ) ومحلهم كان بالمحطة الأسطى … وعادت الفلاتية من القاهرة فى 1940 بعد إندلاع الحرب العالمية وفى تلك الفترة جندتها الحكومة للترفيه عن الجنود حيث تغنت لهم فى( الكيلو خمسة والكيلو ستة وخشم القربة وفى معسكرات الأمريكان بوادى سيدنا وكرن ثم أثيوبيا ) … ثم بعد ذلك طلب منها التوجه إلى( طرابلس والكفرة وطبرق ) للترفيه عن الجنود هنالك , إلا أنها كانت منهكة وغير قادرة على تحمل معاناة السفر بعد تلك الترحالات المتعددة , فقالت لهم سوف أنتظر عودة الجنود بعد عودتهم من الميدان .. وبالفعل كانت تغنى للعائدين من الميدان وللمسافريين إليه حتى الجرحى فى مستشفى النهر الذى هو الآن ( وزارة الصحة )
تزوجت عائشة في بداية حياتها وأنجبت ولدا وواصلت مسيرتها نحو رسالتها الفنية
وقفزت للقمة عندما غنت للجنود البواسل بالميدان تسال الله أن يعيدهم منتصرين وهكذا لاقت أغنية ( يجوا عايدين) نجاحا منقطع النظير ولا تزال هذه الأغنية تحتل مكانة كبيرة في نفوس الناس . واصلت نشاطها وازدادت محبة وإعجاب لدي المستمعين وخاصة عندما غنت الأغاني القديمة التي تتجلى فيها الروح السودانية الأصيلة وكان من الطبيعي أن يهتم بها الشعراء والملحنون وهكذا غنت للشاعر عبدالرحمن الريح وللشاعر علي محمود وعبدالمنعم عبد الحي ولفت صوت عائشة المطرب احمد عبدالرازق حيث أحس في صوت الفلاتيه تعبيرات مؤثرة أوحت إليه بإمكانية استغلال هذا الصوت في عمل فني مشترك وهكذا تعاون معها في وضع لحنين لأغنيتين شاركا فيهما بالأداء وكانتا بلا شك من الأعمال الجيدة لفتت أنظار المعجبين إليهما كانت الأغنية الأولى (الريدة) والثانية( يا جافي حرام ) …
وهكذا تألق نجم الفنانة عائشة الفلاتية وتغلغل فنها في نفوس المستمعين …
وفي مجال المناسبات الموسمية كانت لا تمر مناسبة تحتفل بها الدولة إلا وكانت في مقدمة المشاركين وفي مناسبات رسمية كثيرة كانت ضمن البعثات …
نتحدث عن فترة وجودها فى مصر , وخاصة ساعة إلتقاءها بالاستاذ الشاعر بشير عبدالرحمن والذى كان يعمل بوزارة الزراعة فى مصر آنذاك والذى ألف لها كلمات أغنية ( البنية ست العربية ) و أيضا عن إعجاب الفنان المبدع ( فريد الأطرش ) بعائشة الفلاتية وتسجيل دويتو معها …
كما قدم الأستاذ/ عبدالغفار فرور( صحفى بجريدة صوت النيل ) مداخلة وهى كانت عن لحظة أحس فيها بفخر وإعتزاز بالفلاتيه , وذلك عندما كان بشركة إنتاج الفنان المصرى عمار الشريعى ووجد أن الشريعى يحفظ ألحان وموسيقى أغنيات الفنانة الراحلة تماماً ويؤديها لهم بإقتدار وتمكن … فهكذا يكون حال الفن الأصيل حيث يطرق مختلف الوجدان دون تمييز …
وفي نيجيريا تجد المكانة الكبيرة في ترديد اغنياتها وكانت تحفظ بعض الأغاني بلهجة قبائل نيجيريا وتغنيها لهم علي طريقة الألحان السودانية فلاقت استحساناا …
ولعائشة الفلاتية الآن ما يقارب ستين أغنية كما لها بعض التسجيلات في إذاعة ام درمان ولندن والكويت والسعودية وأثيوبيا والصومال وقد سجل بريد المستمعين اكثرا من مرة رقما كبيرا لأغانيها الناجحة ومن اشهرها المودة ـ سافر حبيب الروح ـ البرتقال ـ الممنوع وصاله …
ولم يقتصر نشاطها علي الأغنية العاطفية فغنت للعيد ورمضان وأنشدت الأغاني الدينية ولم تترك مناسبة وطنية إلا وشاركت فيها بحماس ومن بينها ( نشيد يا بلادي ) و ( شعب السودان يا بطل ) وأغنية ( بلادي حلوة ) …
عائشة الفلاتية تربعت عن جدارة علي عرش الغناء في السودان طيلة ما يقرب ثلاثين عاما وتركت وراءها ثروة فنية لا يستهان بها تؤكد أصالتها الفنية وإخلاصها لفنها… توفيت 1974م رحمها الله.