إنها المرة الأولى في حياتي التي أحب فيها زحمة السير أعلى الجسر، لقد كان الجسر مكتظًا بها وليس بالسيارات، أينما نظرت أجدها .. سمراء في عقدها الثاني؛ ذات وجه دائري يخلو من مساحيق التجميل؛ اللؤلؤ يشبه عينيها وفوقهما حاجبان مقوسان بطريقة تليق بها هي فقط؛ كانت تضع القليل من (أحمر الشفاه) على حبتي الكرز اللتين حلتا محل شفتيها؛ زيّن الله خديها بغمازتين فوقعت فيهما سهوًا بينما كنت أتمشى حبًا بِعيْنَي في تفاصيل وجهها؛ كانت ترتدي فستانًا مطرزًا بالسعادة؛ أي أن الفستان الذي كانت ترتديه كان يرتدي اللون الأصفر.
وضعت رأسها على النافذة بينما كانت تطالع البحر والذي بدوره طالعها بنظرات حب وتعجب ولامست أمواجه حافة الجسر .. فقد كان يحاول جاهدًا الوصول إليها والبقاء قربها؛ ولديه كل الحق في ذلك .. لا ألومه؛ فهي بالفعل تستحق أن يُنْظَر إليها بحب، وكل من يراها حتمًا سيتمنى قربها.
وضعت (السماعة) على أذنيها ثم أغمضت جفنيها ببطيء مع إبتسامة خفيفة حولت ما تبقى من ثباتي إلى إنهيار تام، أظن أنها كانت تستمع إلى أغنية لفيروز، ففتاة مثلها بالطبع ليست من نوع الفتيات اللواتي يستمعن إلى (عشة الجبل)، إنها حقًا فتاة فيروزية بحتة.
كانت تحرّك شفتيها مرددة الكلمات التي تسري حبًا على أذنيها؛ بينما إنشغلت أنا بمتابعة حركة شفتيها وردّدْت معها ما توصّل إليه قلبي: “يا عاقد الحاجبين .. على الجبين اللجين .. إن كنت تقصد قتلي .. قتلتني مرتين”
آه وآه .. لقد مِتًُ عشرات المرات وليس مرتين فقط.
إنفرجت زحمة السير؛ فتوشّح قلبي بالسواد حزنًا على فراقها.
تحركّت السيارة مسرعة فأبعدتني عنها بكل ما يملك محركها من قسوة قلب؛ وكأنها تؤكد لي أن اللحظات الجميلة لا تدوم طويلًا.
لقد وصلت بيتي للتو، ولكنني لا زلت عالقًا في الزحمة أعلى الجسر أطالع عينيها بِنهم.
#محمد_الطاهر
Copyright secured by Digiprove © 2021 Ashraf Eltom