رماة الحدق (1)

كثيراً ما نسمع بكلمة رماة الحدق ولكن من هم رماة الحدق و ما هو مفهوم الإسم؟
بعد أن فتح المسلمون مصر على يد عمرو بن العاص في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عام 641 م تواصلت محاولاتهم لإخضاع بلاد النوبة و دارت بينهم عدة معارك عجز فيها المسلمون عن تخطي بلاد النوبة ، فعلاقتهم كانت متوترة باستمرار، و قد تميزت بالمناوشات وتهديد الحدود ، وخطوط تجارة القوافل، لذا يمكن القول أن إصرار المسلمين للمضي قدماً نحو النوبة كان بدافع تأمين الحدود من ناحية سياسية، ومن ناحية إقتصادية تأمين طرق القوافل التجارية و دوافع عقائدية تتمثل في نشر الإسلام ، فالنوبيون و البجا كانوا دوماً يشكلون خطراً علي مصر حتي قبل مجئ الإسلام .

توالت محاولات المسلمين لدخول النوبة فبرغم غزواتهم المتكررة ، لكنها إستعصت عليهم تجاوُز النوبيين وذلك لشدة بسالتهم وشجاعتهم وبراعتهم في إستخدام القوس والسهام كيف لا؟ وهم أحفاد تاسيتي ، فتاسيتي هو الإسم التاريخي للنوبة الحالية وتعني أرض القوس فعند كل نزال كان النوبيون يرشقون العدو بالسهام والنبال ويفقؤن أعين العدو وعندها أُطلقوا عليهم رماة الحدق بيد أن المعطيات تشير إلى وجود هذا الإسم مسبقاً.

إذاً رماة الحدق الذين أتعبوا جيش الصحابة هم النوبيين و نفخر بهم لأن “خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام”.

يقول إبن أعثم الكوفي عن النوبيين و هو يصف إحدى معاركهم :

حين رأى النوبة أن الجيش أخذ يغير على أموالهم جمعوا مائة ألف رجل و عزموا الحرب على المسلمين و كانت حرباً من نوع لم يشهد له من مثله المسلمون من قبل، فقد تناثرت الرؤوس و الأيدي و اقتلعت العيون بلا حساب.

و ينقل الوافدي عن أن أحد شيوخ حمير ممن اشتركوا في تلك الحرب أنه قال

: كنا واقفين صفاً وإذا بأهل النوبة و في خلال ساعة واحدة قلعت مائة و خمسون عيناً رماها النوبيون بالسهام.

فعن الواقدي قال:

حدثنا ابراهيم بن جعفر عن عمر بن الحارث عن أبى قبيل حيى بن هاني المعافري، عن شيخ من حمير قال: “شهدت النوبة مرتين في ولاية عمر بن الخطاب، فلم أر قومًا أحدّ في حرب منهم. لقد رأيت أحدهم يقول للمسلم: أين تحب أن أضع سهمي منك؟ فربما عبث الفتى منا فقال: في مكان كذا، فلا يخطئه النّوبي، كانوا يكثرون الرمى بالنبل فما يكاد يرى من نبلهم في الأرض شيء. فخرجوا إلينا ذات يوم فصافونا ونحن نريد أن نجعلها حملة واحدة بالسيوف، فما قدرنا على معالجتهم. رمونا حتى ذهبت الأعين فعدت مئة وخمسون عينًا مفقوءة. فقلنا: ما لهؤلاء خير من الصلح،إن سلبهم لقليل وإن نكابتهم لشديدة”

يرى عبد الحكم أن عمرو بن العاص بعث نافع بن عبد القيس الفهري على رأس هذه الحملة إلي الجنوب وكان نافع أخا العاص بن وائل لأمه فدخلت خيولهم أرض النوبة صوائف كصوائف الروم.
أما البلازري فيذكر أنه بعث نافع بن عقبة الفهري و وافقه على ذلك إبن عساكر.
و قيل أنه لم يأسر في هذه المعركة حتى نوبياً واحداً.
فلم يزل الأمر على ذلك حتى عُزل عمرو بن العاص عن مصر و الذي رفض أن يقيم أي صلحاً بين النوبة و المسلمين و أُمر عبد الله بن سعد بن أبي سرح بولاية مصر خلفاً لعمرو بن العاص، و الذي في عهده ستشهد صفحات التاريخ على أقوى مواجعة بين المسلمين و النوبة.
يتبع …

Related posts

إشكالية إدارة التنوع الثقافي في السودان

متحف محمد نور هداب

الديمقراطية للديمقراطيين

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. أقرا المزيد...