أتأمل كوب قهوتي الصغير، هذا كوبي العاشر، أبتسم في وجه ” سعديه ” صاحبة هذا الركن الصغير، رغم أشعة الشمس الحارقة الا أنني ممتنة لهذه السعديه و كوب القهوة العاشر هذا، و ذلك الجدار المنقض خلفي و كراسي البلاستيك المتصلبه جراء الحراره، و ذلك العم البالغ من العمر شيئاً كبيراً و سيجاراته المحترقه في تناغم بالغ مع أكواب قهوتي. أشعر بإمتنان كبير لهذا المشهد و لا ننسى ” حليمة الوداعية” صاحبة الودِّع و يقال أن رميتها كأنها تجر بأقدارك من السماء، ماضيك و حاضرك.
كانت تحاصرني دائماً و تُلِّح في أن ترمي لي الودع، أداعبها بأن اردد لها أحد الأغاني الشعبية الشهيرة ” ست الودع يا ست الودع أرميهو لي كشكشي شوفيهو لي كان فيهو شئ ” أسترسل في الطرب و تضحك ضحكتها الماجنه كعادتها، الا أن هذا النهار مختلف و هذا كُوب قهوتي العاشر و ها أنا أستسلم أخيراً ألقي بالفنجان جانباً و أهتف
-حلوووم ست الودع يا ست الودع هي كشكشي شوفيهو لي كان فيهو شئ ارميهو لي ما تختشي .
لعلها كانت تعلم أن هذا هو ميعادي و آخر طلباتي، تبسمت في وجهي بلطف لم آلفه من قبل و ألقت الودع و مع آخر صدفه من صدفاتها سقطت أنا، و لعلي إنتهيت آخر ما سمعته كان صوت حليمه و هي تصرخ
-خلوها تمتن عشره و ماتت ماتت!.
استيقظت فزعة من منامي هذه المرة الخامسة على التوالي يراودني هذا الحلم، أقول في نفسي لعلها رؤية و أضحك في سوداوية مفرطة، و لكن هذا ليس بغريب على شخصي في الآونة الأخيرة صرت دائماً أردد الموت أبحث عن الفناء في هذا العالم السقيم، كثيراً ما اخبر صديقتي انه اذا جاء نحبي أود أن القاه على ذاك الجدار بالقرب من تلك “السعديه” اود ان انقض على ذاك الجدار الذي لن يأتي النبي ليقيمه.
رحت أغتسل ذاهبة في طريقي إلى حجة سعدية عينها، إلى ذلك الركن الذي قد يكون فيه خلاصي، كم أتمنى ذلك فلا عزاء لي سوى أن هذه القهوة و هذه السعديه هما الوحيدتان اللتان سمعتا نداء الاستغاثة الذي أصرخه.
أبلغ من العمر الرابعه و العشرون، أعاني من إكتئاب حاد بسبب اللاشئ و كل شئ، كُلي أشعر بوعكة كبيرة ليس كأن إنكسر إظفري مثلاً و إنما وعكه على صعيد الروح، لا أجيد فعل شئ أصلح فقط لإحتلال المساحات في العالم أو هكذا تقول أمي. لم أستطع أن أكون أحلامها و لا قاتلت لأجل أحلامي انا فقط كائن موجود نسخة مشوهه عن شئ لم يَعرف كيف يكون و لم يملك خيار الإستسلام. و لكن هذا الصباح مختلف اليوم انا عازِمة على الخلاص و ليس ككل التجارب الفاشلة اليوم سأختفي لن يكون هناك صراخ استغاثة بعد الآن، اليوم سأهرب لأن الطواحين الهادرة في رأسي لا تصمت، أنين روحي لا يهدأ، لا أقسى من أن لا يُحبك أحد في هذا العالم، لا اقسى من أن لا تعرف نفسك، لذا سأهرب من كل هذه الوحوش التي تطاردني.
ألقيت نظرة علي علبة مضادات الإكتئاب قربي، حملتها و توجهت نحو سعدية نحو المُخلص.
أجلس في رُكني أتابع مشهدي المفضل، سيجارات العم الكبير و الكراسي المهترئه، أبتلع جميع العُلبة خلسة و أبدأ في ضرب أكواب القهوة خاصتي، هنا تكون نهاية المسخ الذي هو أنا هنا على هذا الركن بالقرب من حليمة الوداعية. ألمح في عينيها الشفقة و كأنها كانت تعرف سلفاً و كأنها إعتادت هذا المشهد و كأن هذا الركن مقبرة المسوخ، هنا ينتهي كياني الذي لم يعرف حتى إسمه.
– ماتت.. ماتت.
ريان النور