مع بداية السباق الرمضاني كل عام، تبدأ القنوات بتزيين برمجتها الرمضانية بعدد من الأعمال الدرامية العربية والتي باتت تستقطب عدد كبير من المتابعين وتصبح شغلهم الشاغل على وسائل التواصل الأجتماعي، وعادة مايكون للأعمال المصرية نصيب الأسد بغالبية الأنتاجات المطروحة والمشاهدات.
والمُلاحظ لخارطة الأعمال الدرامية هذا العام سيدرك سيطرت شركة “سينرجي” “تامر مرسي” على معظم الأعمال الدرامية المطروحة، وهو ما يعد أحتكاراً لصناعة الدراما في مصر وتوجيهها ناحية إنتاج نوعية محددة من الأعمال والتي قد تكون مرسومة مسبقاً لخِدمة أجندة خاصة، و”سينرجي” واحدة من عدة شركات تعمل في مجال الأعلام في مصر وتخضع لسيطرة مجموعة “إعلام المصريين” التي تمتلك أغلب شبكات القنوات الفضائية المصرية مثل “سي بي سي” و”الحياة” و”أون إي” إضافةََ إلى مواقع إلكترونية وصحف ومحطات إذاعية، والتي ثبتت تبعيتها لجهات سيادية، وبما أن الشركة تعد بمثابة الذراع الإعلامي للمخابرات المصرية فقد بات واضحاً الخطوط الرئيسية لهذة الأجندة.
وبالطبع فإن أحتكار شركة إنتاج واحدة للمشهد الدرامي سيؤثر سلباً على نوعية الأعمال المنتجة وسيؤدي لحصرها في فلك واحد، مما يعني أننا سوف نشهد في الأعوام المقبلة تركيزاً مكثفاً على إنتاج أعمال على شاكلة “الأختيار2″ و”هجمة مرتدة” و”القاهرة كابول” وغيرها من الأعمال التي تكرس لبث أفكار تلائم توجهات الآلة الأعلامية المسيطرة.
ومن ناحية أُخرى فإن أحتكار الشركة للأعمال المعروضة سيعني أحتكار الساحة الدرامية والسينمائية لنجوم بعينهم، والتركيز على تواجدهم بشكل أكبر كل عام، وبالتالي التهميش المتعمد لبقية النجوم والذين ببساطة قد لاتتوافق أرائهم أوتوجهاتهم مع التوجهات المسيطرة، الأمر الذي قد يضع هؤلاء النجوم أمام خيارين، إما مجاراة الموجة السائدة والموافقة على الشروط والأعمال المطروحة، أو الرفض ودفن مسيرتهم الفنية.
ومع إزدياد أهتمام الناس بدراما رمضان زاد التركيز على عرض هذة النوعية من الأعمال في محاولة للتحكم بعقول المشاهدين وتمرير أفكار بعينها لخدمة أجندة خاصة، وبتنا نستشعر خطورة مايُعرض في إعادة برمجة عقل المشاهد ليتقبل تلك الأفكار وكأنها أمر مُسلم به.
ولعل أبرز هذة الأجندة هو التركيز على ربط التدين بالأرهاب من خلال صبغ كل الشخصيات المتدينة أوالملتزمة في الدراما بصبغة التطرف ونسبها للجماعات الأرهابية، وقلما يخلو عمل من شخصية كهذة، فأصبحنا بمجرد أن نرى شخص ملتزم دينياً أو ملتحي في أي عمل نتكهن مسبقاً بأنه شخص متشدد وأرهابي، وكأنه لاوجود للوسطية والإعتدال.
وعلى صعيد آخر، أصبحنا نرى التغيير الكبيير في تقديم شخصيات ضباط الشرطة والمخابرات في معظم الأعمال الدرامية عما كان عليه في السابق، فمن منا لم يلاحظ الأختلاف الكبير بين شخصية كالتي قدمها النجم “ماجد المصري” في مسلسل “أدم” والذي تزامن موعد عرضه بعد ثورة 25 يناير، والتي أظهرت مدى القسوة واللأنسانية التي كان يتعامل بها ضباط أمن الدولة مع المعتقليين وكانت أحد أهم أسباب إندلاع ثورة 25 يناير، وبين شخصية “زكريا يونس” التي يؤديها النجم “كريم عبدالعزيز” في مسلسل “الأختيار2″ هذا العام، فهي على النقيض تماماً شخصية هادئة ومحبة وودودة بشكل مبالغ فيه وكأنه ملاك يمشي على الأرض.
والأمر ليس مقتصراً على مسلسل”أدم” فحسب، فاللدراما المصرية تاريخ طويل في تقديم ضباط الشرطة والمخابرات بتلك الصورة النمطية حتى أصبحت صورة ضباط أمن الدولة مطبوعة في ذاكرتنا بتلك الشخصيات، ولكن المتابع للدراما المصرية في الأونة الأخيرة سيلاحظ إختلافاً كبيراً في رسم هذة الشخصيات، لتصبح أكثر تعاطفاً وأنسانية في محاولة لتلميعها وتمجيدها وإضفاء طابع الملائكية عليها.
وقد تجاوز تركيز هذة الأعمال على تمرير الأجندة وتعداه إلى محاولة تزييف الحقائق وتزوير التاريخ بالتشويه المتعمد لعدد كبير من الأحداث المهمة التي شهدتها مصر بعد ثورة 25 يناير. ولعل أبرزها التزوير المتعمد لأحداث مثل فض إعتصام رابعة العدوية في محاولة طمس الحقائق لأسوء مذبحة في تاريخ مصر الحديث. وكذلك التسويق لفكرة الأيادي الخفية خلف ثورة 25 يناير.
وأمتدت السيطرة لتطال وسائل التواصل الأجتماعي أيضاً، فبتنا نرى التواجد المكثف لمنشورات وتغريدات مهمتها الأساسية التمجيد المُطلق لهذة الأعمال، منشورات حتى وأن أختلفت صيغتها ظاهرياً إلا أنها تحمل نفس المضمون لدرجة فضحت نفسها بنفسها وأظهرت بشكل واضح أن مايقف وراءها ليس سوى آلة أعلامية واحدة ركيزتها الأساسية هي خلق بروباغندا مفتعلة لهذة الأعمال.
ولعل تزايد الهوس بإنتاج هذة النوعية من الأعمال، يعكس الخوف المكبوت لدى هذة الأنظمة من تزايد الوعى لدى الجمهور، فالجمهور المغيب لايحتاج الى برمجة أو إلى بذل اي محاولة للتحكم به على عكس الجمهور الواعي، ومع تزايد المصادر التي يستسقى منها المشاهد معلوماته، تزايد التكثيف على تضليله لتسهيل سيطرت هذة الأنظمة عليه وتحويله لدمى مغيبة تحركها كيفما تشاء، تغيير تاريخها وتسيطر على حاضرها لتتمكن من صنع مستقبل لها بما يتناسب مع توجهاتها وأجندتها.