خلال (الحرب العالمية الثانية) وتحديدا خلال احتلال ألمانيا للنرويج أصيبت (ريتا هندرسون) بإصابة في رأسها استدعت نقلها للمستشفى ، لحسن الحظ نجت ريتا من الإصابة واستيقظت من الصدمة لكن المفاجأة كانت بعد استيقاظها إذ وفجأة بدأت تتحدث بلغة (ألمانية فصيحة) كأنها ولدت بها.
كانت عواقب هذه الحادثة وخيمة على عزيزتنا ريتا إذ فقدت أصدقائها بسبب شكهم أنها (جاسوسة ألمانية) بل ونقل البعض أنها أعدمت بالخيانة.
(روري كريتس) ، بريطاني تعرض لحادث مروع عام 2012م بينما كان يقود سيارة نقل للبضائع ، ودخل في غيبوبة امتدت لأيام وبعد أن أفاق بدأ الحديث بالفرنسية بطلاقة ، مع أنه لم يتحدثها في حياته ، بل وذهب الأمر إلى أبعد من ذلك إذ أنه كان يعتقد نفسه الممثل (ماثيو ماكونهي) الحائز على الأوسكار وصدم عندما رأى نفسه في المرآة ؛ وبعد أيام استعاد لغته الأصلية مع الاحتفاظ باللغة الجديدة .
(بين ماكماهون) أسترالي تعرض لحادث سير مؤلم ودخل المستشفى وخرج منها وهو يتحدث (بلغة صينية فصيحة) ، وتفاجأ والداه بالأمر إذ لا يتكلم أحدهما الصينية حتى بين كان يعرف فقط بعض الكلمات خلال الثانوية. وبعد بضعة أيام استعاد لغته الإنجليزية لكنه حافظ على اللغة الجديدة التي فتحت له آفاقا ضخمة فواصل دراسته في (شنغهاي)، ويعمل حاليا مرشدا سياحيا في الصين ومقدما للبرامج التليفزيونية .
وفي بلدنا (السودان) أخبرني أحد الزملاء أن قريبهم اختفى من المنزل فجأة وبعد شهور وجد في أحد المدن في غرب السودان وقد غير اسمه ولغته وتزوج في تلك المدينة.
لكن السؤال، ما الذي حدث لهؤلاء الأشخاص؟!
وكيف تمكنوا من تعلم هذه اللغات؟!
لنفهم الأمر أكثر دعني أحدثك يا عزيزي القارئ عن (متلازمة اللغة الأجنبية) أو ال (Foreign accent syndrome) .
تعرف (متلازمة اللغة الأجنبية) بأنها ﺣﺎﻟﺔ ﺻﺤﻴﺔ ﻧﺎﺩﺭﺓ ﺗﺘﻀﻤﻦ ﺇﻧﺘﺎﺝ ﺍﻟﻜﻼﻡ، ﻭﻋﺎﺩﺓً ﻣﺎﺗﺤﺪﺙ ﻛﺄﺛﺮ ﺟﺎﻧﺒﻲ ﻹﺻﺎﺑﺔ ﺧﻄﻴﺮﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻣﺎﻍ ﻣﺜﻞ : ﺍﻟﺴﻜﺘﺔ ﺍﻟﺪﻣﺎﻏﻴﺔ ﺃﻭ ﺇﺻﺎﺑﺔ ﺣﺎﺩﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻣﺎﻍ.
إذ يبدأ الشخص بعد الإفاقة من الصدمة بالتحدث بلهجة غير لهجته وأحيانا لغة جديدة غير لغته وقد يمتد التأثير لأيام وتعود لغته الأم إليه وأحيانا قد يدوم هذا التأثير.
يعاني نحو 150 شخصا حول العالم حاليا من هذه المتلازمة، وذهب البعض إلى أن الأعداد أكثر من ذلك لكن لا يتم التبليغ عنها.
لا يوجد تفصيل علمي دقيق إلى الآن عن سبب هذه الحالة ولكن التفسير الوحيد المتاح حاليا أنه ﻋﻨﺪﻣﺎ يتحدث ﺍﻟﺸﺨﺺ، ﺗُﺴﺘﺨﺪﻡ ﺃﺟﺰﺍﺀ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻀﻼﺕ ﻓﻲ (ﺍﻟﻠﺴﺎﻥ ﻭﺍﻟﻮﺟﻪ والفكين) ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﺤﺪﺩﺓ ، لكن ﻓﻲ (ﻣﺘﻼﺯﻣﺔ ﺍﻟﻠﻬﺠﺔ الأجنبية) ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻮﺟﺪ ﺃﺫﻳﺔ ﺩﻣﺎﻏﻴﺔ ﺃﻭ ﻧﻘﺺ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺮﻳﺎﻥ ﺍﻟﺪﻣﻮﻱ ﻟﻤﻨﺎﻃﻖ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻣﺎﻍ، ﺗﺘﺄﺛﺮ ﺍﻷﺟﺰﺍﺀ ﺍﻟﻤﺘﺤﻜﻤﺔ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ ﻭﺍﻟﺨﻄﺎﺏ، ﻭﻫﻜﺬﺍ، ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺤﺎﻭﻝ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺍﻟﺘﺤﺪﺙ ﻳﻨﺘﺞ ﺍﻟﺼﻮﺕ ﺃﻭ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺑﻨﻐﻤﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ . ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺘﺄﺛﺮ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ ﺍﻟﺘﻮﻗﻴﺖ ﻭﺍﻟﻨﻐﻤﺔ ﻭﺍﻟﻄﺒﻘﺔ ﻭﻭﺿﻌﻴﺔ ﺍﻟﻠﺴﺎﻥ ﺃﻭ ﺗﻮﺿﻌﻪ، ﺍﻟﺬﻱ ﻗﺪ ﻳُﻼﺣَﻆ (ﻛﻠﻬﺠﺔ ﻏﺮﻳﺒﺔ) .
هذا الأمر يبدو منطقيا في حالة اكتساب اللكنة الجديدة ، ولكن سجلت أكثر من حالة طبية تحدث فيها المصابون بلغة مختلفة تماما عن لغتهم الأم كحالة (بين ماكماهون) الذي تحدثنا عنه في بداية المقال.
ذهب البعض إلى أن الأمر (مس شيطاني) ، أو (تلبس بأروح شريرة) ، وغيرها من التفسيرات التي حاولت فهم أغوار هذه المعضلة.
لكن ما زالت البحوث العلمية جارية حول هذه الظاهرة ، ويعمل العلماء حاليا على مقارنة الأشعة المقطعية للمخ للمصابين مع الأشعة المقطعية لهم بعد الشفاء.
أيضا (ﻣﺘﻼﺯﻣﺔ ﺍﻟﻠﻬﺠﺔ ﺍﻷﺟﻨﺒﻴﺔ) ﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ خللا ﻏﻴﺮ ﻗﺎﺑﻞ ﻟﻠﻌﻜﺲ، ﻭﻳﺼﺒﺢ ﺟﺰﺀًﺍ ﺛﺎﺑﺘًﺎ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﻓﻲ ﻣﻌﻈﻢ حالات الإصابة ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ رجوع بعض ﺍﻟﻤﺼﺎﺑﻴﻦ ﺇﻟﻰ ﻟﻬﺠﺘﻬﻢ ﺍﻷﺻﻠﻴﺔ .
ختاما عزيزي القارئ ما هو رأيك في هذه الحالة النادرة وما هو التفسير الأقرب إليك؟!
شفى الله كل مريض وأعان كل مبتلى.
Copyright secured by Digiprove © 2020 Ashraf Eltom
1 تعليق
محمد عامر يا رائع ????