◼️الحركة الوطنية السودانية 1919_1934م
عبّرت المقاومة السودانية للاستعمار البريطاني عن نفسها عقب الحرب العالمية الأولى بنشاطات ومشاعر مختلفة و قد قاد هذه المعارضة و نظّمها في شمال السودان المثقفون والمهدويون الجدد ، بينما استمرت حركات المقاومة في جنوب السودان محلية و قبلية بطبيعتها ، و عليه فإن من المناسب ان ندرس السمات الرئيسية للحركة الوطنية خلال هذه الحقبة تحت عنوانين رئيسيين:-أ/ الحركة الوطنية السودانية الحديثة التي سيطر عليها المثقفون وكانت علمانية التوجه والاهداف .
ب/ المهدية الجديدة تحت قيادة السيد عبدالرحمن المهدي.
أ/ الحركه الوطنية الحديثة:-
اشتدت الحركه الوطنية المصرية عقب الحرب العالمية الاولى ، وجدد الوطنيون المصريون مطالبهم بقيادة سعد زغلول بمطالبتهم بحق مصر في السيادة علي السودان ، للوقوف في وجه هذا الخطر ولمنع تسرب الروح القومية المتطرفة الى السودان اتخذت الحكومة البريطانية عدة خطوات لتأكيد ذاتية السودان السياسية المستقلة بهدف عزلته عن مصر والانفراد بحكمه منها:-
1/ رفعت شعار (السودان للسودانيين).
2/استبدال الموظفين المصريين بالسودانيين.
3/ ارسال خريجي طلبة غردون لدراسات جامعية في الجامعة الامريكية ببيروت بديلاً للقاهرة في عام 1922م.
4/ زادت المدرسة الحربية عدد طلابها وفتحت في عام 1924م مدرسه كتشنر الطبية.
5/ عينت الحكومة بعض وجهاء مدينتي الخرطوم وبورتسودان في مجلسين استشاريين أقيما هناك.
6/ عملت لادخال اصلاحات وتطوير مشروعي قطن الجزيرة والقاش عام 1920م
شجعت الحكومة زعماء البلاد القبليين والدينيين علي نشر الاراء المناوئه لمصر والترويج لفكرة السودان للسودانين تحت الوصاية البريطانية.
لذلك عمد وفد مكون من زعماء الطرق الدينيه الثلاثة ( السيد علي الميرغني وعبدالرحمن المهدي والشريف يوسف الهندي) لتهنئه ملكة بريطانيا على انتصارها في الحرب .
جمعية الإتحاد السوداني:-
ظن كثير من المثقفين آنذاك أن شعار (السودان للسودانيين) كلمة حق أريد بها باطل وان الاستقلال لن يتحقق إلا بالتعاون مع مصر ، لذلك بدأوا نشاطاً سرياً رفعوا فيه شعار (وحدة وادي النيل) .
بدأ التنظيم الحزبي في السودان في يونيو 1922م عندما كون خمسة من الشبان المثقفين جمعيه الاتحاد السوداني وقد ركز معظم نشاط هذه الجمعيه في اقامة الندوات الادبية وانحصر نشاطها السياسي المعادي لبريطانيا في المنشورات التي أرسلت بالبريد للاداريين البريطانيين ومن تعاون معهم من الزعماء السودانيين وهربت هذه الجمعية بعض خريجي كلية غردون للدراسة في الجامعات المصرية كما نشر اعضاؤها مقالات معادية لبريطانيا في الصحف المصرية.
غير أن حرب الكلمات هذه لم تنجح في اضعاف السيطرة البريطانية علي السودان فانقسمت الجمعية الى مجموعتين هما:-
١/ المعتدلون الذين شكلوا معظم اعضائها.
٢/المتطرفون الذين أرادوا مواجهة الاستعمار ومن تعاون معه من السودانيين
جمعية اللواء الابيض:-
قاد المتطرفين ضابط سوداني انحدر من قبيلة الدينكا وهو علي عبداللطيف الذي فصل من الخدمة وسجن في مايو 1922م لمدة عام على إثر محاولة نشر مقال في جريدة (الحضارة) سماه ( مطالب الأمة السودانية) طالب فيها بحق تقرير المصير للسودانيين.
في مايو 1924م أسس علي عبداللطيف جمعية اللواء الابيض بعد أن انشق من جمعية الاتحاد السوداني تولى عبداللطيف رآستها وتولى عبيد حاج الامين منصب سكرتير الجمعية ، كانت الجمعية موالية لمصر ، كما حاولت الاستفادة من ثورة 1919م المصرية بتكوين حركة شعبية قوية تجبر بريطانيا على منح بعض التنازلات للسودانيين.
نص دستور هذه الجمعية على الوحدة مع مصر وأن يحدد نوعها الا أن هذه الجمعية لم تجد تأييداً من عامة السودانيين في الارياف والاقاليم فانحصر نفوذها وسط المثقفين ورجال الاعمال في المدن.
ثورة علي عبداللطيف 1924م:-
بلغ النشاط السياسي في البلاد ذروته في عام 1924م. عندما ارسل أربعة وعشرون من القادة السودانيين المتعاونيين مع بريطانيا عريضة للحاكم العام طالبوا فيها بإنهاء الحكم الثنائي علي أن تكون بريطانيا وصية علي السودان وأعتقد هؤلاء الزعماء أن الوصاية هي خير ما يخدم مصالح السودانيين ، شريطة أن تزيد بريطانيا من اشراك السودانيين في الحكم .
وكرد فعل علي هذه العريضة أعدت جمعية اللواء الابيض عريضة الولاء لمصر ولكن تم اعتقال رسولا الجمعية وهما زين العابدين ومحمد المهدي وأعيدا للخرطوم وبإعادتهما تفجرت المظاهرات وهي أول مظاهرات في تاريخ السودان الحديث في 17 نوفمبر1924م انزعجت الحكومة لنشاط الجمعيه فسجنت رئيسها علي عبداللطيف وفصل سكرتيرها عبيد حاج الامين من خدمة الحكومة.
أثارت هذه الاجراءت حفيظة الجمعية فنظمت في عام 1924م نشاطاً سياسياً عنيفاً ومعادياً للحكومة في مدن السودان الرئيسية ، المدن الثلاث عطبرة وبورتسودان والابيض كان العسكريون أكثر من تأثر بدعاية الجمعية فتظاهروا في عدد من مدن الشمال والجنوب بينما طاف طلاب مدرسة الخرطوم بشوارع المدينة حاملين أسلحتهم اما الضباط الذين انحدر معظمهم من قبيلة الدينكا فقد خططوا ونفذوا في نوفمبر انتفاضة عسكريه هامه في الخرطوم.
تأزم الموقف خاصه بعد مقتل السير لي استاك حاكم عام السودان، بالقاهرة فأمرت بريطانيا بانسحاب القوات المصرية من السودان، رفض المصريون الانسحاب الا بأوامر من الملك فؤاد وعندما. بدأت بريطانيا باجبار القوات المصرية على الانسحاب ثارت الوحدات السودانية في الخرطوم تأييداً لزملائهم المصريين وبراً بالقسم الذي أدوه بالولاء للتاج المصري اشتبك الثوار مع القوات البريطانية في معركه قتل فيها الكثير من الجانبيين وكان رفعت باشا قائد القوات المصرية في الخرطوم قد وعد باصدار أوامر باطلاق النار علي القوات البريطانية اذا حاولت قطع طريق الثوار الا أن الحكومة المصرية اصدرت الامر لقواتها بالانسحاب .
وعندما اطلق الجنود البريطانيون النار على الثوار نشبت معركة عنيفة بين الجانبين قتل فيها اثنا عشر ضابط سودانياً .وعقب ذلك أمرت محكمة عسكرية بإعدام ثلاثة عدد من افراد الجمعية اما رئيس الجمعية وسكرتيرها فقد نفيا الى جنوب السودان.