يتفرد تاريخ القوات المسلحة السودانية عن غيرها بأنه تاريخ عريق ضارب أوتاده في أعماق التاريخ، حيث منذ القدم عرفت الجيوش السودانية الكوشية بالبسالة والمهابة والإنتصارات العسكرية الخالدة.
كما يحفظ لنا التاريخ كيف أن جيشنا – جنوداً وقادة – جعلوا من الطامعين في أرض وسيادة السودان عبرة للعالمين، نذكر هنا كمثال عندما احتل الرومان مصر، ثم احتلوا اسوان وهي الحدود الشمالية للسودان في ذلك العصر عام 40 ق.م، فما كان من الجيوش السودانية بغيرتها على أرضها إلا الانطلاق نحو اسوان بقيادة الكنداكة امانيريناس، حيث سحقت هنالك الجيوش الرومانية، وجلب الأسرى الرومان ومعهم رأس تمثال “الامبراطور الروماني أغسطس”، حيث وضع مداسا تحت إحدى العتبات الملكية السودانية، في رسالة واضحة أن ماحدث في مصر لا يمكن أن يحدث في السودان.
وبالطبع سبق ذلك وتلاه الكثير من البطولات التي تكرر فيها هذا الجيش السوداني بما لا يتسع هنا المجال لذكرها؛ منها الإبادات المتكررة للجيوش المصرية والبريطانية في شيكان وغيرها حيث أبيدت هذه الجيوش عن بكرة أبيها على يد الجيش السوداني، وكذلك شهد التاريخ العسكري العالمي انكسار التشكيلة العسكرية المعروفة “بالمربع البريطاني” لأول مرة في السودان على يد المقاتلين السودانيين الأشداء بقيادة عثمان دقنة في معركة تاماي الثانية 1884م بالرغم تفوق العتاد البريطاني.
أما في العصر الحديث فقد تم التأسيس الحديث للجيش السوداني في العام 1925م، حيث تم إنشاء وحدات منه تتبع للجيش البريطاني تدريباً وتأهيلاً، حيث شارك في العديد من الجبهات الخارجية منها حرب المكسيك وحرب شرق أفريقيا ومعركة العلمين ومعارك شمال أفريقيا، حتى قال عنه “دور كان”:
(آثار الحرب العالمية الثانية كانت أعمق في أفريقيا، كما أن أفريقيا أصبحت مدينة بحصولها على حريتها للجيش السوداني).
وجاء العام 1955م أيضا ليشهد تأسيسا لقوة دفاع السودان، تلاها تكوين جيش وطني بعد الاستقلال بمختلف وحداته المشاة والبحرية والجوية في 1956م.
وبالطبع لا ننسى مشاركة الجيش السوداني أيضا في حرب اكتوبر 1973م وبطولات العسكر السودانيين فيها بقيادة السوداني البطل الصاغ زاهر سرور الساداتي، والذي تحدث عنه العدو الضابط الاسرائيلي جوليان هيس بإعجاب شديد حيث قال:
“انه ضابط عظيم؛ لم يتخلى عن كبرياءه وواجباته تجاه الجنود، حتى وهو في الأسر! ،عكس الآخرين من الضباط العرب، وكان يرفع احتياجاتهم لنا في شكل أوامر وكنا نرضخ لها في الحال لشده ما فرضه علينا من احترام ومهابة”
كذلك قال عنهم وزير خارجية إسرائيل آنذاك (أن الجنود السودانيين تحت قيادة الصاغ زاهر الساداتي كانوا وحشيين قساة ضد الجنود في موقعة بيت دوراس في فلسطين).
وبالطبع مازال الشعب يفخر بجيشه، والجيش يفخر برموز له هم غيض من فيض، أمثال عبد الفضيل ألماظ، والقائد الشهيد عبدالمنعم المكحل بالشطة، والمشير جعفر نميري صاحب الكاريزما والهيبة العسكرية الحقة، مشير استحق رتبته، يفخر به جميع من خدموا معه في السلك العسكري، وكذلك يضرب لنا المشير عبدالرحمن سوار الذهب أروع مثال للضابط السوداني في زهده عن السلطة السياسية، وحفاظه على جيشه قومياً منضبطاً لا يعلوا لديه شيء فوق مصلحة الوطن وإباء الجيش، في مهنية عسكرية قل لها مثيل في عالم اليوم.
نفخر بحق أن لدينا جيش مشهود له بالضبط والربط والانضباط لدرجة أن ضباطه كانوا ينتدبون لتأسيس جيوش عربية صديقة وأخرى أفريقية، لكن مايحزننا حقاً كشعب وينقص فرحتنا بالعيد ال67 لقوات شعبنا المجيدة، هو تسلق بعض أقزام القامة لمواقع قيادية هي أكبر مقاساً من هاماتهم، فالآن وقبل فوات الأوان لابد لنا أن نذكرهم بأن الضوابط العسكرية التي يحفظها ويحترمها أصغر مستجد في الجيش إلى أقدم حضرة صول وضابط لا يستقيم معها وجود قوات أخرى موازية للجيش كالدعم السريع أو كتائب الدفاع الشعبي وغيرها من الأجسام الهلامية التي لا تساوي شيئاً أمام تاريخ الجيش العريق وعلومه وانتظامه، بل نجد بعض أفراد هذه الأجسام الهلامية يحملون رتباً مضحكة لم يحصلوا عليها بتراتبية عسكرية ولا حتى بكلية عسكرية، ومعلوم أن الرتب بدءاً من الملازم لا يتحصل عليها الفرد من الكلية إلا بعد تمحيص ميداني دقيق، يتميز فيه صاحب الجدارة المستحق لشرف العسكرية والانتماء والرتبة عن الرجراء، وجميعنا يعلم أن هذه الضوابط والشروط متوفرة ومتأصلة في جيشنا النظامي فقط دون غيره.
ورغماً عن ذلك مازالت قواتنا المسلحة هي مصنع الرجال وعرين الأبطال، حيث برهن الجيش جنودا وضباطاً على وطنيتهم وإخلاصهم واعتزازهم بانتمائهم لقوات الشعب المسلحة، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الرائد محمد المدني وجنوده الشجعان الذين صدوا قوات أمن النظام حماية للمعتصمين من الشعب، والنقيب محمد سليمان، وأيضا النقيب حامد والذي لقبه شعبه بالجامد هو ومن كان معه من جنود أشاوس وهم يصدون هجمات أزلام النظام على أرض الاعتصام، وكذلك لا ننسى الملازم محمد صديق صاحب مقولة الرهيفة التنقد، وجميع من كانوا معهم من جنود وضباط انحازوا للشعب وخالفوا تعليمات قيادة اللجنة الأمنية لنظام البشير، وأعلوا شرف الجندية وطبقوا ضوابط الجيش على أرض الواقع ولم يخشوا في الحق لومة لائم وهم مثال للتربية العسكرية السودانية الفريدة، ونترحم كذلك على جميع شهداء قواتنا المسلحة ونزجي التحايا الخالصة لأسرهم ووحداتهم ولا نستثني أحداً.
ونذكر هنا بعضاً خطاب بيعانخي للجيش السوداني وهو متوجه لتحرير مصر من الغزاة في 750 ق.م فقال:
” لا تنقضوا على العدو ليلاً وكأنكم تلعبون وتلهون، ولا تحاربوا إلا وأنتم مبصرون ..وإذا قال لكم: انتظروا المشاة وسلاح المركبات القادمة من مناطق أخرى فتريثوا لحين وصول جيشه، ولا تبدؤوا المعركة إلا عندما يطلب ذلك، وإذا كان حلفاؤه في مدينة أخرى فأصدروا الأوامر بالانتظار حتى يصلوا، أيا أنت أسرج أفضل ما في إسطبلك من جياد وهئ نفسك للمعركة عندئذ سوف تعرف أننا رسل آمون”
ختاما،، فالتحية والتهنئة نجزلها مخلصة لكم جنود وضباط صف وضباط القوات المسلحة السودانية في العيد ال67 وأنتم قابضون على جمر القضية، التحية لأبطالنا المرابطين المنصورين بإذن الله تعالى في الفشقة، وبالطبع سنحتفل كلنا بتحرير حلايب وشلاتين هي الأخرى بإذن الله.
تحية وتعظيم سلام لجيش لا يكرره الزمن إلا في أرض السودان.
1 تعليق