دموية الاستعمار ٣
تنويه :
هذا الجزء مقتبس من رواية” أطياف هنري ولكم ” للروائي والكاتب السوداني مهند الدابي، والتي تستند إلى أحداث حقيقية.
خبايا وأسرار في جبل موية :
في حقبة ليست بعيدة من تاريخ السودان، عند مطلع القرن العشرين ومع وجود البريطانيين في البلاد، كانت هنالك الكثير من الأسرار والجرائم المكنونة والمستترة في عهد الاستعمار، وفي الجزء السابق تطرقنا إلى كيفية ووحشية الطريقة التي دخل بها الغزاة، وفي هذا الجزء سنأخذ لمحات عن فترة مكوثهم وكيف استطاعوا تنفيذ سياساتهم الخبيثة في سطور سنحكي فيها عن ذلك اليهودي المتوحش وجريمته في جبل موية.
جبل موية، ما خُفِيَ أعظم!
تدور أحداث القصة حول جبل موية ذلك الجبل الذي يقع غرب مدينة سنار وشمال طريق الأسفلت، الذي يربط سنار بمدينة ربك في مساحة تقدر ب ١٢ كلم مربع بمحاذاة السلسلة الجبلية من الناحية الشمالية، فموقع تلك المنطقة المتميز جعلها تصبح مهداً لكثير من الحضارات ونستدل بذلك، بوجود آثار تاريخية من حقب مختلفة (المسيحية، والعهد التركي، وحتى البريطاني).
في هذا الجبل كان يقيم هنري وِلْكم ال(بريطاني/أمريكي) ، دعونا نستوقف هنا قليلاً ونتحدث عن مربط الفرس عن ذلك اليهودي أو الماسوني أو اللاديني حتى، بمختلف مسمياته ولنتعرف عن ماكان يجريه من أبحاث سرية وغامضة تهدف مصالحه الشخصية أو مصالح الاستعمار وعن سراياه الضخمة والمرهوبة.
هنري سولمون ولكم، وما يُقال عنه:
لقد كان اهتمام هنري بالسودان كبيراً، و بمعظم المستعمرات البريطانية وكان يدعي ب “رب الطب الحديث” ولعل اهتمامه بالطب يتجلى لنا جيداً في مقال كتبت عنه تقول :
أنه جمع أكثر من مليون قطعة، من قطع فنية وقطع من تاريخ الطب من شتى المناطق في فترة وجيزة جداً .
وفي فترة مكوثه في البلاد في الربع الأول من القرن العشرين كان هذا الرجل يوصف من قبل أهالي المنطقة بالخير والبر، والأعمال الصالحة حيث بنى العديد من المرافق ليس في غرب سنار أو جبل موية فقط، بل ساهم في تمويل بناء مدرسة غردون التذكارية وأيضا في مدرسة كتشنر الطبية وعلى العموم فقد نشأ هنري في فترة الحروب الأمريكية، فهو مولود في أمريكا عام ١٨٥٣ م وكان لهذا السبب دور بارز في تبلور شخصيته القاسية التي لا تعرف معنى الرحمة؛ وكان الدور الأكبر له في بداية حياته في مواجهته للهنود الحمر وإبادتهم والحد من نسلهم بطرق بالغة في الوحشية فنأخذ على سبيل المثال حينما كان في الحرب الأهلية في أمريكا في تلك الفترة بالتحديد، كان ولكم في سلاح الخيالة الأمريكي.. أثناء تلك الفترة كانت هنالك مكافآت لكل جندي ينتزع فروة رأس الهندي الأحمر بعد قتله وقد كان ولكم بارعاً في تلك المهمة جداً. فما يهمنا في الأمر هو ما الذي حدث بعد مجيئه للسودان وماالذي كان يفعله في سراياه الغريبة والمريبة تلك!
هنري سولمون ولكم، وما يقوله :
كان هنري يؤمن ويعتقد بأن البشرية تنمو على حساب البشر فذكر بلسانه :
إن الاستعمار يعتمد على العبودية مهما تغير شكلها أو اسمها. ولم تستطع جلالة الملكة ورجالها من بعدها حفظ إراقة الدماء.. يبقى الاستعمار هو الاسم الجديد لتجارة الرقيق التي منعها المستنيرون بالقانون ؛ فأتى المستعمرون ليغيروا الفكرة والمفهوم..
وفي عشرينيات القرن العشرين، بعد أن استقر هنري في السودان في جبل موية قام ببناء سرايا في تلك المنطقة وبعد أن اكتمل البناء ؛ أصبحت سراياهُ جاهزة للاستخدام، وقبل ذلك كان هنري قد طالب بجلب العديد من المعدات وعربات المعامل المتنقلة وبعض الأثاث، وصناديقا لأغراض سرية.
ولقد قرر ولكم العيش بمفرده داخل تلك السرايا الكبيرة، ففي تلك المنطقة كانت هنالك أعمال تنقيب تُجرى، وتعبئة للصناديق بالآثار والكتل الذهبية وتخزينها في القبو الجنوبي للسرايا، و تلاحظ هنا عزيزي القاريء أن العاملين كانوا أطفالاً.. حتى يسهل السيطرة عليهم وفي بعض الأحيان كان هؤلاء الأطفال يختفون في ظروف غامضة حين يخرجون للعمل في باكر الصباح ولا يعودون إلى منازلهم. علاوة على أنه رُوي عنه، أنه كان يُبيد ويحرق أكثر من ٤٥٠٠ طفل من أطفال المنطقة وكل ذلك من أجل تجاربه العلمية لاكتشاف عقاقير ولقاحات وغيره.
تعقيبات على سياق الأحداث :
بالتعقيب على جوهر الحكم البريطاني في البلاد عموماً.. نجد أنه حكم السودان قُرابة النصف قرن وأكثر، وقد شهدنا كيفية مجيئه بقسوة بالغة وبأسلحة حديثة ؛ و رويداً رويدا بدأ ببسط نفوذه على أرجاء المكان واستطاع بجدارة أن يرسخ مفاهيم حديثة وثقافات جديدة في أذهان الأهالي، فيمكننا القول بأن الاستعمار البريطاني كان استعمار متكامل الجوانب.. فكأنه غزو مكتمل الأركان (ثقافي، فكري، مادي.. إلخ) وفي هذا الجزء تطرقنا إلى إحدى الشخصيات البريطانية التي كان يسودها الغموض، فهنري ولكم كان أكبر خادم للإمبراطورية وتوسعاتها، وهو أكبر داعم لقيام دولة إسرائيل وقد كان يلقب بالماسوني المجنون.. وكما ذكرت بعض المصادر أنه قام بسلب وسرقة أكثر من ٢٥٠٠ قطعة أثرية من منطقة سنار، كل هذا كان بالتعاون مع وينجد باشا .
وهذه ليست عملية السرقة الوحيدة التي قامت بها بريطانيا فكلما سُنحت لها الفرصة لأخذ ماتريد وسرقة ما تشتهي فعلت ذلك وأرسلته لبلادها ، واستمر الحال بذاتِ الوتيرة، وعان السودان في عقود الاستعمار أشد أنواع الظلم.. حتى نال استقلاله في منتصف القرن العشرين بعد جهودات ونضالات من قبل أبناء الوطن في سبيل الحرية، ولكن هل سيسلم السودان من الجرائم الشنيعة بعد خروج المستعمر؟ تابعونا في الأجزاء القادمة والتي تتحدث عن جرائم ما بعد الاستقلال.
1 تعليق
والله البلد دي فيها حكاوي و بلاوي