جدلية ابراهيم عيسى مابين الضيف وصاحب المقام

عاد الجدل بشأن الكاتب المصري إبراهيم عيسى يطفو إلى السطح مرة أخرى بعد عرض أحدث أفلامه صاحب المقام، وإبراهيم عيسى لمن لايعرفه هو إعلامي وكاتب صحفي مصري اتجه مؤخرا لكتابة الأفلام السينمائية، ليخرج لنا 3 من أهم الأفلام المصرية في الآونة الأخيرة، هي مولانا، الضيف وصاحب المقام.

عرف عن عيسى اراءه المثيرة للجدل فتارة يشكك في صحة بعض الأحاديث النبوية ، ويطعن في كتب الأئمة والتابعين، وتارة يهاجم شيوخ المسلمين وينكر شرعية فرض الحجاب، فهو من دعاة تجديد الخطاب الديني ونشر الفكر المستنير الذي يسعى إلى تقليص الدين في الحيز الروحي فقط مقتصراً على علاقة العبد بربه، وهو نهج انتهجته السينما المصرية في الآونة الأخيرة (وهو بالطبع نهج سياسي في المقام الأول)، لذلك دائماً مايتم الربط بين التدين والإرهاب، بين الجماعة السلفية والأخوان المسلمين ، فجاءت أفلامه كلها تدور في فلك واحد وهو علاقة الدين بالمجتمع، أفلام رغم اختلافها إلا أنها تحمل بصمة كاتبها يغلب عليها الطابع السردي والحوارات الفلسفية.

حوار التكفير والحجاب في الضيف

تقوم فكرة فيلم الضيف على مناظرة فكرية بين مفكر علماني تنويري (د.يحي التجاني) الذي يجسد شخصيته خالد الصاوي، وشاب سلفي متشدد (أسامة) يقوم بدوره أحمد مالك، وهو الضيف الذي قدمته الابنة فريدة لأسرتها تمهيداً لارتباط محتمل بينهما، فكانت الحوارات الفلسفية هي السمة الغالبة للفيلم، لذلك جاء الفيلم كأحد مقالات إبراهيم عيسى أعتمد فيه على طرح أفكاره بشكل مباشر، لذلك لانجد تسلسل منطقي للدخول في كل حوار من حوارات الفيلم، وكأنه يقودنا مباشرة للنقاط الجدلية التي يود طرحها ،فالحبكة الدرامية للأحداث كانت آخر هم إبراهيم عيسى.

شخصية يحي في الفيلم تعيش أزمة بسبب أفكارها وهو انعكاس لشخصية الكاتب نفسه، لذلك جاءت الشخصية مشابهة تماما لشخصية الكاتب في الأفكار والتجسيد، فنرى محاولاته المستميتة لإثبات وجهات نظره في نهاية كل جدال في الفيلم، وانقسام الناس حول شخصية يحي في الفيلم، إسقاط يمثل جدلية الجمهور حول إبراهيم عيسى نفسه، بين من يراه داعماً للدولة ومن يراه هادماً لها، نصف يراه علمانياً معادياً للدين ونصف آخر يرى أنها علمانية مزيفة.

الفيلم الذي تجري أحداثه في مكان واحد وزمان محدد، أو كما يعرف بفيلم الفصل الواحد، يناقش عدة محاور، مثل الخلافة الأسلامية كنظام حكم، سيادة المسلمين سابقاً، تقبل الاختلاف في الأديان وجدلية الحجاب مابين كونه عادة أم عبادة، وهو ماتناوله عيسى بكثرة في برامجة ومقالاته، وبالطبع يمارس عيسى عادته المحببة في الطعن في أئمة المسلمين أمثال البخاري وابن تيمية وغيرهم، فحوار التكفير في الفيلم جاء ليعكس آراءه الشخصية في الربط بين الجماعات الأسلامية أو الأصولية، كما يطلق عليها عيسى بوصفها أكبر داعم لاراء العلماء الذين أمعنوا في تكفير كل شئ، وبين التشدد والأرهاب، فنجد يحي في أحد حوارات الفيلم يقول: إن أبن تيمية كفر الطير في الشجر، بل كفر الشجر نفسه في دلالة لأنهم كفروا الحياة نفسها، وكأنه لايوجد فاصل بين التدين والتطرف، وهو مانراه جلياً في الابتعاد عن النمطية في اختيار شخصية الشاب المتطرف وكانه يخبرنا أن التطرف يمكن أن يكون متعدد الأوجه.

وبالرغم من الجدل المثار حوله إلا أنه لايمكننا إنكار تميز الفيلم في نواحي عدة بدءا من التجديد في الفكرة ومضمون الطرح وخوضه في المسكوت عنه وختاماً بالإخراج والتجسيد المتقن للممثليين.

صاحب المقام والتبرك بالأضرحة

في صاحب المقام يداعب إبراهيم عيسى موروثات شعبية متاصلة في الوجدان المصري عن طريق طرح فكرة زيارة الأضرحة والتبرك بالأولياء الصالحيين، وإرسال رسائل طلب إلى هؤلاء الأولياء، وهي ممارسات اختلفت حولها الاراء الفقهية.

تدور أحداث الفيلم حول رجل أعمال ناجح (يحي) ويقوم بدوره اسر ياسين، وهي شخصية نرجسية منغمسة في ذاتها، يعترض احدى مشروعاته ضريح لأحد الأولياء، فيقوم بإزالته ليواجه بعد ذلك سخط صاحب المقام. مما يضطره لخوض رحلة طويلة للتصالح مع الأولياء وأصحاب المقامات لرفع اللعنة عن أسرته.

حاول عيسى البعد عن تميمة فيلم الفصل الواحد كما في فيلم الضيف واتجه للبناء الدرامي، لذلك غلب علي الفيلم الطابع الدرامي أكثر من الطابع الحواري الخطابي، ولكن البناء الدرامي جاء ضعيفاً بعض الشئ، فلم يلقى عيسى بالاً للترابط التسلسلى للاحداث ولا بناء الشخصيات، فنجد التغيير المفاجئ لشخصية يحي من شخص أناني غير مصدق بوجود الأولياء والكرامات، إلى شخص يرى نفسه كمبعوث لتلبية مطالب الناس والرد على رسائلهم الموجودة في ضريح الإمام الشافعي، وكأنه انتقل من الحالة الوجودية إلى حالة السمو الروحي، من ناحية أخرى نجد شخصية (روح) التي جسدتها الفنانة يسرا وكأنها المرشد الروحي ليحي في رحلة تغييره وسموّه الروحي، شخصية تمثل الخط الفاصل بين الروح والجسد بين الخيال والحقيقة بين التجسيد الواقعي والرمزية، وكأن عيسى كما اسلفنا يحاول حصر الدين في الحيز الروحي فقط، أو كما يعرف بالإسلام الصوفي، وهوما يقودنا إلى العداء المتأصل بين الفكر الصوفي والفكر السلفي الذي يحرم هذه الممارسات ويعتبرها بدع وخرافات منافية للشرع والعقل، وهو ما يجعلنا نتساءل عن مغذى طرح الكاتب للفكرة؟

من ناحية أخرى نجد تخبط الكاتب مابين إرضاء الجمهور وطرح أفكاره فنراه يحارب هذه الأفكار ويربطها بالجهل والفقر، كما ظهر في اختياره لشخصيات الحكايات في الفيلم، ومن ثم يدعمها في نهاية الفيلم مما جعل الجمهور ينقسم حول تفسير مضمون الفيلم.

جراءة عيسى في طرح أفكاره جعلته يسطر اسمه بحروف من ذهب كأحد أهم الكتاب الذين عملوا في الفترة الأخيرة على نقل السينما المصرية من النمطية في تقديم الأفلام ذات المضمون الواحد إلى فضاءات أرحب وطرح مضامين جديدة وجريئة شكلت نقلة نوعية في السينما المصرية.

Related posts

السينما الإيرانية ما بين مطرقة ضعف الإمكانيات وسندان القيود الرقابية

قراءة في ترشيحات أوسكار 2022

مسلسل تشيرنوبل

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. أقرا المزيد...