ﺑﻌﺪ اﺳﺘﻘﻼﻝ السودان في 1956م ﻭ ﺇﻧﺰﺍﻝ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﻦ ﺍﻟﻤﺼﺮﻱ ﻭ ﺍﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻲ، ﺗﻮﻟﻰ ﻣﺸﻜﻼﺕ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ﺇﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﺍﻷﺯﻫﺮﻱ ﺛﻢ ﻭﺭﺙ ﺍﻟﺘﺮﻛﺔ ﻣﻨﺎﻓﺴﻪ ﻣﻦ ﺣﺰﺏ ﺍﻷﻣﺔ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺧﻠﻴﻞ ، ﺛﻼﺙ ﺳﻨﻮﺍﺕ ﺃﺩﺭﻙ ﻓﻴﻬﺎ ﺳﻴﺎﺳﻴﻮ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ﺃﻥ ﻣﺸﻜﻼﺗﻬﻢ ﺑﺤﺠﻢ ﺑﻠﺪﻫﻢ، ﻭ ﻓﻲ ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ ﻋﺎﻡ 1958 ﺍﻧﻘﻠﺐ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺧﻠﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ ،ﻭ ﺳﻠﻢ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﺗﺴﻠﻴﻤﺎً ﻟﻠﻌﺴﻜﺮ، ﺃﻟﻐﻰ ﻗﺎﺋﺪ ﺍﻟﺠﻴﺶ ﺍﻟﻔﺮﻳﻖ ﺇﺑﺮﺍﻫﻴﻢ ﻋﺒﻮﺩ ﺍﻷﺣﺰﺍﺏ ﻭﻋﻠﻖ ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭ ﻭﺗﺤﻮﻝ ﺍﻟى ﺩﻛﺘﺎﺗﻮﺭ، ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺘﺄﻳﻴﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﺎﻟﻪ ﻣﻦ ﺯﻋﻴﻤﻲ ﺍﻷﻧﺼﺎﺭ ﻭﺍﻟﺨﺘﻤﻴﺔ ﺳﺤﺎﺑﺔ ﺻﻴﻒ، ﻭﺑﻘﻴﺖ ﺍﻷﺣﺰﺍﺏ ﺟﻤﺮﺍً ﺗﺤﺖ ﺍﻟﺮﻣﺎﺩ ﻭﻣﻦ ﻭﺭﺍﺀﻫﻢ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻲ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ.
ثم ﺟﺎﺀت ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﺠﻨﻮﺏ ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻢ ﻳﻌﺠﺒﻪ ﺗﻮﺟﻪ ﺍﻟﺘﻌﺮﻳﺐ ﻭﺍﻷﺳﻠﻤﺔ ﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻋﺒﻮﺩ . ﺛﺎﺭ ﺍﻟﺠﻨﻮﺏ ﻓﺸﻜﻞ ﺍﻟﻔﺮﻳﻖ ﻋﺒﻮﺩ ﻟﺠﻨﺔ ﺍﻟﺨﻤﺴﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﻟﻤﻨﺎﻗﺸﺔ ﺍﻟﻘﻀﻴﺔ ﻭ ﺩُﻋﻲ ﻃلاب ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺍﻟﺨﺮﻃﻮﻡ ﻟﻠﻤﺸﺎﺭﻛﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻘﺎﺵ، ﻟﻜﻦ ﺍلطلاب ﻧﺎﻗﺸﻮﺍ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻭ ﺍﺣﺘﺠﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻭ ﺍﺧﻔﺎﻗﺎﺗﻬﺎ و خرجوا ﻓﻲ ﻣﻈﺎﻫﺮﺍﺕ ﺻﺎﺧﺒﺔ ﺳﺮﻋﺎﻥ ﻣﺎ ﺍﻧﺘﺸﺮﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺪﻳﺮﻳﺎﺕ ﺍﻷﺧﺮﻯ، ﻭﺃﺿﺮﺏ ﺍﻟﻤﻮﻇﻔﻮﻥ ﻭ ﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻤﻮﺍﺻﻼﺕ ﻓﺄﻟﻐﺖ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﺍﻟﻨﻘﺎشات الجامعية ﻭ ﻗﻤﻌﺖ ﺍﻻﺣﺘﺠﺎﺟﺎت و ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺍﻗﺘﺤﻤﺖ ﺍﻟﺸﺮﻃﺔ ﻧﺪﻭﺓ ﺟﺎﻣﻌﻴﺔ ﺃﻗﻴﻤﺖ ﻓﻲ 21 ﻣﻦ ﺃﻛﺘﻮﺑﺮ ﻋﺎﻡ 1964 ﻛﺎﻧﺖ ﻧﻘﻄﺔ ﺍﻟﺒﺪﺍﻳﺔ ﻭﻋﻮﺩ ﺍﻟﺜﻘﺎﺏ.
شهد العام 1964م تحركاً وطنياً وشعبياً شاملاً بين المواطنين في شمال البلاد والجنوب واخذ الناس يتحدثون علناً في غير خوف في المركبات الخاصة و العامة وفي الشوارع وفي السوق والمصانع والمكاتب ، عن فشل الحكومة العسكرية و جهل القائمين عليها بفن الحكم، وعن استبدادها الذي استشري و حالة القلق التي انتظمت البلاد كلها.و لقد ارتبط أصل هذه الحركة، ومنشؤها بوضع الحرب الأهلية في الجنوب و تقرر تشكيل لجنة تحقيق، ونظمت مؤتمرات ومناقشات في الجامعات تناولت نقداً للوضع السياسي العام و ألحقت مؤسسة الجامعة مباشرة بوزارة التعليم، و وضعت تحت رقابتها و أدت المشاركة الواسعة لجماهير الطلبة في المناقشات و ظهور مجلات حائط تندد بالنظام إلى قيام السلطات بمنعها و حاصرت الشرطة في 21 أكتوبر جامعة الخرطوم بسبب ندوة ناقشت المعالجة الدستورية لمشكله جنوب السودان وكان يحاضر فيها الدكتور حسن عبدالله الترابي الذي كان شابا آنذاك في العقد الثالث من عمره ، وحضر الندوة العديد من الطلاب ، وفيها قال الترابي المقولة التي أجتت الثورة وألهبت الحضور:
حل مشكلة الجنوب يكمن في حل مشكلة الشمال ،و يكمن الاثنان في زوال الحكم العسكري الحالي وقيام حكم دستوري مؤسس على الخيار الديمقراطي للشعب.
وهو ما لم تتحمله قوات الأمن التي كانت تحيط بالمكان، و أمرت الطلبة بالانصراف ،وبعد ان ألقت القنابل المسيلة للدموع وبدأت في اطلاق الرصاص.
و بينما كان الوضع لا يتعدى بعض المناوشات حتى سُمع صوت اطلاق ناري خرق الآذان وفجأة سقط الطالب أحمد القرشي إثر رصاصة اخترقت جمجمة رأسه فأردته قتيلاً.
فجر مقتل القرشي ينابيع الثورة في نفوس الطلاب، و في 22 أكتوبر سار في جنازة أول شهيد أعداد غفيرة من الناس ، و رغم صدور أمر بإغلاق الجامعة ، ظل الطلبة معتصمون في مساكن الجامعة بل امتدت حركتهم الى أن بلغت شوارع العاصمة رافعة شعارات (فلتسقط الديكتاتورية) و (السطله للشعب).
في منتصف 24 اكتوبر تعاهد رؤساء التحرير أن ينضموا الى الصفوف الشعبية مستنكرين موقف الحكومة من طلبة الجامعة ومن فئات الشعب و مستنكرين إطلاق الرصاص، و مطالبين بإنهاء الوضع.
رغم حظر التجوال و إنتشار العربات المصفحة، و تدخل قوات حفظ النظام وسقوط عشرات القتلى والجرحي، استمرت الحركة في التقدم الى الامام ، وفي تنظيم صفوفها.
وفي 24 أكتوبر قام ممثلوا الهيئات المهنية ( القضاة، المحامون ، أساتذة الجامعات ، والأطباء …الخ) بتكوين جبهة و أرسلوا نصاً الى الرئاسة ويعلنون فيها استقالتهم حتى يتحقق استقلال القضاء و الجامعة ، و على أن تؤمن هذا الاستقلال حكومة دستورية ، و طالبوا بوضع نهاية لنظام الحكم العسكري.
وسارت في الشوارع مظاهرات النساء و هي تهتف بالشعارات المناهضة للعسكر ، و عجزت قوات الشرطة في يوم 26 أكتوبر عن وقف مسيرات المتظاهرين الضخمة التي جاءت من كل صوب واختفى افراد هذه القوات بمجرد وقوع اشتباكات ، و وصلت الأنباء بعد ظهر ذلك اليوم مفادها أن أصحاب عقود المزروعة في الجزيرة قد انضموا الى حركة الإضراب . وهم في طريقهم الى العاصمة.
وكان العصيان منظماً تنظيماً جيداً مما سهل فتح أبواب السجون و حرر المعتقلين السياسيين.
وفي آخر أيام الثورة أصدر الفريق إبراهيم عبود قرار بحل مجلسه العسكري الحاكم ، و أذيع بيانه من إذاعة أم درمان و لعل ذلك آخر ما يذاع منها قبل إضراب موظفيها و فنيها و عمالها و كان ذلك بداية النهاية العاجلة للحكم العسكري بعد الثورة، بحل المجلس العسكري لم يبق من العسكريين في القيادة الا إبراهيم عبود وحده ،و كان لا يعلم مدى تأييد القوات المسلحة له بعد تلك الأحداث الدامية.
كان يرغب في التنحي بأسلوب يكفل له السلامة و لمن كان معه من العسكريين في الحكم بعد أن تتسلم الثورة زمام الأمور .
سارت محادثات ليلا ونهاراً لثلاثة أيام لتحقيق الآتي :-
1- استقالة الفريق ابراهيم عبود ولمن يسلم الحكم بعده؟
٢-الضمان لابراهيم عبود و رفاقه السلامة و عدم المحاسبة بعد قيام الحكم الشعبي.
وقد عبر عبود عن استعداده للاستقالة منذ بدء المحادثات و دار النقاش طويلا حول الفقرتين الاخيرتين قبل الوصول الى اتفاق و انتهت المحادثات باسناد رئاسة الحكومة الى شخص محايد و غير سياسي و تم الاتفاق على اختيار السيد سرالختم الخليفة الذي كان وكيلا لوزارة التعليم ليكون رئيساً لمجلس الوزراء يؤلف حكومته الانتقالية من عناصر تمثل جميع الاتجاهات السياسية التي كانت قائمة ، وتكلف حكومته بتسيير شوؤن البلاد في فترتها الانتقالية.