بقلم: عمر الفاروق عبدالله يوسف
كثيرة هي الأحلام التي تبقى في مُخيلتنا، فكل شخصً منا يسعى إلى رسم مستقبله بدقة ودائماً ما يُحلم بذلك، يُفكر به جيداً ويخطط له بالطريقة الأمثل، رغم صعوبة الواقع ومشقته، إلا أننا نحتاج إلى ذلك، لتكون العزيمة والإصرار والأفعال هي الأدوات التي تُعين الجميع في تحقيق أحلامهم وأهدافهم، ولكن تكمن صعوبة المعادلة في أن التفكير في المستقبل والتخطيط له يجب أن يكون في نطاق الواقع المعيش، بالطرق والوسائل التي في المتناول و بدرجة كبيرة من المعقول، لأن التفكير بطريقة أشبه بالخيال أو بنوع من اللا واقعية أمر مرهق للعقل والبدن.
قد يُرهقك ذهنياً و يشتت أفكارك ويصيبك بنوع من الإحباط وأنت ترى أفكارك مجرد سراب، أو أحلام وردية أن بدأت في التخطيط لها والشروع في تحقيقها لن تحقق منها شيئاً، هكذا صراعات الحياة التي قد نُواجهها جميعاً، دائماً ما تأتي لتُصقل وتدعم الإنسان بأفكار ومشاريع جديدة يظل يفكر بها مراراً وتكراراً، وقد يقتنع بها أخيراً ويسعى جاهداً في تحقيقها، أو تدعمه في قناعاته التي كان يؤمن بها، لكنه يظل مترددً في تنفيذها أو بدايتها، وقد تحدث بعض من مستجدات الأمور التي تزيد من قناعاتك وتجعلك متمسكاً بها، فالحياة مدرسة كبيرة أسوارها عالية، أبوابها مفتوحة للجميع وتلاميذها البشر باختلاف طبقاتهم و بمختلف مقاماتهم وجنسياتهم، فيها التعليم مجاناً ومتاحاً للجميع، ولكن بحسب مستوى الفهم لدى كل طالبً فيها ومدى فهمه لمنهج الحياة، فطرق الشرح مختلفة ولكن يظل المنهج واحداً يقرأه الجميع.
قد تتعلم في مدرسة الحياة أبجديات التعامل وأساسيات سبل عيش الحياة بصورة عامة، ولكن من أراد تلقي الدروس والعبر عليه دفع الثمن، فلا دروس وعبر بلا خيبات متكررة، ولا دروس وعبر بلا مواجع وألم، ولا دروس وعبر بلا تحسر وندم، ومن اجتهد فيها وشقى لشقاوتها وفرح لسعادتها استأمن شرها وغدرها وفهم طريقة العيش فيها، فقد تتوالى الدروس والعبر وتبقى المحصلة النهائية هي ماذا تعلمت من الحياة؟؟!
تُعلمُك الحياة أنه لا يوجد فرق كبير بين الحنين والأنين، فغياب يومين وغياب سنتين لا ينقص من حجم الإشتياق شيئاً، ولا يخفف من أنين الليل وقتاً، فالشوق دائماً مايفوق تفاصيل الزمن وحساباته.
أيضاً تُعلمك الحياة أن يوماً لك ويوماً عليك فلا تأتي الرياح بما تشتهي سفنك دائماً، ولا السفن من حولك مُجهزة جيداً لتتحمل عقبات وصعوبات مشوار الرحلة ومحطات طريق الوصول.
كذلك تُعلمك الحياة أن الخبرة ليست بالسنين بل بخوض التجارب ومواجهة تحدياتها، فالخبرة لن تأتي من فراغ وتختلف باختلاف الأعمار وكثرة التجارب.
تُعلمك الحياة أن لا تهتم كثيراً لصغائر الأمور وتضيع من وقتك وجهدك عليها، وأن لا تعيش في عالم من الافتراض والتوقعات، يجب أن تتأقلم مع الواقع المعيش وتتفائل وتفكر بإيجابية لما هو قادم من أيام وسنين في مدرسة الحياة.
تُعلمك الحياة أن لا تكون ” أنانياً ” وأن لا تكثر من قول كلمة ” أنا ” فيما تقول وتفعل دائماً، فثقتك بنفسك تمنعك من قول ذلك وهي أيضاً من تمنحك مدح الأخرين وشكرهم، فقد ينظر إليك البعض بعين الشخص المتباهي والمغرور.
تُعلمك الحياة عن أهمية علاقتك بالناس والتواجد بينهم ومحبتهم والحياة المجتمعية معهم لتخبرك أن الأشخاص أهم من الأشياء، فمعرفة الرجال كنز والمواقف تبين لك ذلك، والتعلم والإستفادة ممن سبقوك خبرة وتجربة، وهم بكل تأكيد دليلك في مدرسة الحياة، عكس علاقة المصلحة والمنفعة والتي تنتهي بانقضاء المصلحة، فلا تحكمها مواقف الرجال ومعادنهم وعشرة الأيام وغيرها، كذلك أنت من تمنح نفسك السعادة والفرح وجمال الإبتسامة فكلها أشياء جميلة تنبع منك أنت لا أحد يمنحك إياها.
أخذ الدروس والعبر من تجارب الحياة والاستفادة من أخطاء من سبقوك وتجنب الوقوع في الخطأ مرتين، بل لا تنتظر حتى تقع في الخطأ، كن سباقاً وبادر و اقرأ عن تجارب الآخرين وخذ منها المواعظ والعبر، وأستفد من الفشل قدر الإمكان فطبيعة الإنسان الوقوع في الخطأ والنسيان، ولكن أيضاً يجب أن تجد التسامح و إلتماس الأعذار لمن حولك، وذلك يغنيك عن الغل والحسد تجاه الأخرين، وأكثر من الضحك فالإبتسامة دواء لكثير من أنواع الداء في مدرسة الحياة.
تُعلمك الحياة الكثير والكثير… فهذا بعض من قليل، وجزءً من بعض جزء قليل، فقد تعلمنا في مراحلنا الدراسية والتعليمية أن نقرأ الدرس ونراجع جيداً قبل الإختبار لنكون على استعداد تام لدخول الإمتحان ورغم ذلك قد لا ننجح فيه، ولكن في مدرسة الحياة تعلمنا أن نختبر أولاً ثم بعد ذلك نتعلم الدروس.
من يبني آماله على الأوهام فقط دون سعي وعمل يجدها تتحقق في الأحلام، ولا يستطيع الإنسان مطلقاً أن يتوقف عن الحلم، فالحلم غذاء الروح كما أن الأطعمة غذاء الجسد، فقد نرى خلال حياتنا آمالنا تخيب، ورغباتنا تُحبط، لكن يجب الاستمرار في الحلم والتعلم و إلا ماتت الروح فينا، فالتمسك بالأمل حلمً يسنده الواقع الذي نُريد.