ثورة ديسمبر هي من أعظم الثورات التي مرت على العالم، فهي من الثورات التجديدية التي خلقت نوعاً من النضال لم يوجد له مثيل؛ وكان اعتصام القيادة مثلا للمدينة الفاضلة التي يحلم بها كل العالم .
فقد قامت ثورة ديسمبر من أطراف العاصمة وانتقلت الى المركز ولم تقدها الجماعات التقليدية من الأحزاب والمثقفين بل اتوا متأخرا لينضموا بها مرغمين برياح التغيير.
وفجأة ما بين غفلت عين وانتباهها تسربت الثورة من أيدي هؤلاء الشباب ومن وعيهم المستنير وأفكارهم المتجددة وترابطهم الاجتماعي لتسلم مصيرها لمحور الفشل، المكون من العسكر و الأحزاب وشيوخ متهالكين مازالوا يعودون بعد كل ثورة ليعيدوا هذه البلد الى تلك الفجوة المؤلمة التي لم نخرج منها منذ الاستقلال .
ربما نعزي ذلك إلي عنفوان الشباب وتسرعهم وافتقارهم الى وجود رؤية وطنية موحدة وخطة في إدارة مرحلة ما بعد السقوط .
وكان شعار “تسقط بس” هو من أهم علامات ذلك التيه الذي تدرج فيه الناشطين من الشباب ففي كل الثورات في السودان كان الهم الأكبر هو اسقاط النظام الفاسد دون وضع استراتيجية حاسمه لكل ما يحدث بعد سقوط ذلك النظام، وربما كان اعتصام القيادة هو البيئة المهيئة التي لم نتوفر للبقية من الثورات فلو استغل الثوار وقتهم في اعتصام القيادة في اختيارهم حكومة من مكونهم الواعي داخل الاعتصام من كفاءات غير حزبية وغير عسكرية لما تاهت ثورتهم في غياهب سجن السياسة التقليدية.
السياسة التي لن تخرجنا أبداً من أزماتنا كل ما نحتاجه الآن هو التفكير خارج الصندوق فالوضع من الصعوبة بمكان .
إن الثورة والتغير هم مر الدواء من لم يذق مر التغير ذاق مر عدم التغيير .
في حياتنا مع كل تغيرات كبيرة يزيد الابتلاء و كما قيل ما ما بعد الضيق إلا الفرج.
لكي نخرج من هذا التيه وجب علينا أن نضع الأسباب التي أدت الى اشتعال هذه الثورة فثورة ديسمبر قامت من أجل بناء دولة ديمقراطية قوية حديثة، دولة القانون والمؤسسات أمة تزخر بالعدالة الاجتماعية، و لتنشأ تلك الأمة العظيمة هنالك متطلبات لكل مرحلة لابد من انفاذها و لابد من التخطيط لها بعقل راجح.
فهذه الثورة كانت نتاج حتمي لفساد وتهالك نظام ال30 من يونيو فكان هذا النظام كأنه يقوم بصنع هذه الثورة بفشله في توفير ابسط مقومات الحياة الكريمة لهذا الشعب.
لم تقم هذه الثورة لاقتلاع العسكر و تحوليها الدولة مدنية فقط فبناء الوطن والإصلاح الاقتصادي والاجتماعي من الركائز التي قام لها التغيير.
فيجب على هؤلاء الشباب توحيد قواهم فتلك القوى القديمة التي عجزت عن تكوين حكومة قوية في الفترة الانتقالية لن تفلح في تكوينها فيما بعد.
فهذه القوي لن تغير شيئاً في طريقة تفكيرها القديمة .
ولإخراجكم من ظلام التيه سنقوم في الأعداد القادمة باستضافة عدد من الخبراء لرسم خارطة طريق لشباب الثورة لما بعد هذه الفترة الانتقالية وما يجب عليهم أن يقوموا به فارتقبونا.