¤ خلفية
نظراً لما تمر به بلادنا من تضخم في الإقتصاد فقد تفاقمت الأزمة بشكل مريع فقد قفز معدل التضخم إلى أكثر من (200 %) والبطالة إلى (66 %)، وذلك غير الديون الخارجية المطلوبة حسب التقارير إلي 64 مليار دولار.
وفي المقابل تسجل قيمة العملة المحلية تناقصاً مستمر إذ أنه يتم تداول الدولار الواحد في السوق الموازي (الأسود) نحو 260 جنيه سوداني ، غير الازمات الخانقة للمواطن في السلع من خبز ووقود وغاز.
وبحسب رأي خبراء في الإقتصاد تحدثوا عن (5) أسباب رئيسية للأزمة التي يعيشها الإقتصاد السوداني وهي عدم الإدارة السياسية الصحيحة وضعف في قطاع الإنتاج والخلل الواضح في المالية والنقدية كما وجود عدد كبير من الشركات العامة خارج مظلة وزارة المالية.
¤ حدد الخبراء (7) وصفات لمعالجة الأزمة وهي :
1- توفر إدارة قوية
2- ضبط الكتلة النقدية
3- تقليص الإنفاق الحكومي
4- وتحكم الدولة في صادرات الذهب والسلع الرئيسية
5- السيطرة الكاملة على مطاحن الدقيق
6- توحيد الإيرادات تحت مظلة وزارة المالية
7- إعادة هيكلة البنك المركزي على حسب الخبرات المؤهلة.
¤ أسباب الأزمة
يعزي استاذ الإقتصاد في الجامعات السودانية عبدالوهاب بوب تفاقم الأزمة الاقتصادية إلى الخلل الواضح في السياسة المالية والتي أدت إلى تدهور أداء القطاعات الاقتصادية الإنتاجية وزيادة حجم الصرف الحكومي.
ويقول بوب لسكاي نيوز عربية إن المتتبع للأداء الاقتصادي في مرحلة ما بعد الثورة يلاحظ عدم وجود أي نوع من التغيير بل كانت هناك زيادة غير مسبوقة في حجم الكتلة النقدية تقدر بنحو 30% في خلال هذه الفترة الوجيزة من الحكم الانتقالي، كما أن هناك أخطاء فادحة عجّلت بهذا الانهيار غير المسبوق ومنها الزيادة المُخيفة في المرتبات والتي لم تعتمد على موارد حقيقية بل عملة ورقية.
ويلفت بوب إلى خطورة الأزمات الحالية التي يعيشها الشارع السوداني وخصوصاً أزمة الخبز والتدهور المريع في قيمة العملة الوطنية مشيراً إلى أن حل أزمتي الخبز وتدهور الجنيه يتطلب سيطرة الحكومة على مطاحن الدقيق بشكل كامل وإدخال كافة الشركات العامة بما فيها شركات الجيش والأمن تحت مظلة وزارة المالية ،ويؤكد بوب أن الطريق الوحيد والأمثل لوقف (التفلتات) الحالية في الاقتصاد السوداني وسوق النقد يتمثل في إيجاد سلطة نقدية خلاقة وحكيمة وشفافة وليس بطريقة سد الفجوات وتجاهل الأثر علي الشارع، إضافة إلى وقف التدخلات غير القانونية لشركات الاتصالات وغيرها من الشركات التي تضارب في السوق الموازي وهو أمر يتطلب تحكم الدولة فيها بشكل كامل.
ويرى بوب أن عملية إعادة هيكلة الاقتصاد تتطلب وجود حكومة قادرة على رسم سياسات قوية وفاعلة وشفافة وهو ما لا يتوفر في الحكومة الحالية بحسب تعبيره.
¤ إرادة سياسية
يرى أستاذ الاقتصاد السياسي عبده مختار أن الأزمة في مجملها تتمحور في غياب الإرادة السياسية القادرة على وضع حلول تفضي إلى توظيف الموارد بالشكل السليم.
ويشدد مختار على ضرورة اهتمام الحكومة في هذه المرحلة بوضع أولويات محددة، والسيطرة على تجارة المنتجات الرئيسية كالذهب والصمغ العربي،وضبط الإنفاق الحكومي المنفلت إضافة إلى السيطرة الصارمة على المال العام وجميع الشركات العامة تحت مظلة وزارة المالية.
ووفقاً لمختار فإن هناك العديد من التشوهات التي أصابت الاقتصاد السوداني وأدت إلى تفاقم الأزمة من بينها الوضع الغريب وغير المبرر لشركات الجيش والأمن خارج مظلة وزارة المالية، في حين أن استثمارات الجيش يجب أن تنحصر فقط في الجوانب المتعلقة بالإنتاج الحربي والتكنولوجيا العسكرية.
ويشير مختار إلى التدخلات الحكومية الخاطئة في سوق العملات مما أدى إلى إضعاف العملة كنتيجة مباشرة لزيادة الطلب على الدولار.
¤ شرط أساسي
يشترط استاذ السياسات العامة في الجامعات الأميركية بكري الجاك ضرورة وقف التدهور الحالي للاقتصاد السوداني قبل التفكير في عمليات هيكلة شاملة للاقتصاد.
ويقول الجاك إن حكومة الثورة ورثت اقتصاداً يعيش اختلالات هيكلية وبنيوية وحالة كساد وتضخم انفجاري إضافة إلى فساد مؤسسي ضارب لكنها لم تتخذ الخطوات اللازمة لمواجهة تلك الإختلالات.
ويشير الجاك إلى أن استمرار حكومة الثورة في الإنفاق الباذخ على جهاز الدولة فاقم من عجز الميزانية الذي يتم تمويله بطباعة النقود منذ أيام الإنقاذ الأخيرة، كما أضافت زيادة مرتبات القطاع العام عبئاً جديداً على المالية العامة لأنها جاءت دون توفير موارد حقيقية لتمويلها مما ضاعف من حاجة الدولة لطباعة النقود للإيفاء بإلتزاماتها.
ويقول الجاك إن وضع كل الشركات التي تتبع للجيش والأمن والدعم السريع تحت إمرة وزارة المالية سيضاعف من الإيرادات العامة وسيمكن الدولة من الحصول على العملات الصعبة التي تذهب إلى حسابات هذه الشركات في الخارج وبالتالي تقليل الطلب على الدولار واستقرار سعره، الأمر الذي سينعكس إيجاباً على أسعار السلع الأساسية ومدخلات الإنتاج وبالتالي استقرار الاقتصاد الكلي وتوفير التمويل اللازم لعمليات البناء والتنمية.
ويربط الجاك بين تدهور العملة السودانية والإرتفاع الحالي في أسعار السلع الأساسية ويشير إلى علاقة سعر صرف الجنيه وغلاء الاسعار، وجُل السلع الاستهلاكية اما مستوردة او أن مدخلات انتاجها مستوردة.
وبالنسبة لحديث الجاك فإن هناك شقان للحل، الشق الأول سياسي يتمثل في توفر الارادة السياسية التي تمكن وزارة المالية من السيطرة على كل الإيرادات العامة لشركات الاتصالات والمسالخ وشركات تعدين الذهب والبترول وغيرها، أما الشق الثاني فهو فني يتمثل في تقليص عجز الميزانية، وضبط الإنفاق على مستوى مجلسي السيادة والوزراء وكل جهاز الدولة والتوقف عن طباعة النقود فورا ومن ثم العمل على تشجيع الإنتاج وتمكين البنك المركزي من لعب دوره الفني في تنظيم السياسة النقدية والبدء في استخدام آليات محكمة لتحديد سعر الفائدة مع وضع خطة عملية لإصلاح الجهاز المصرفي كشرط أساسي لجذب الاستثمارات الخارجية.
¤ أما فيما يتعلق بتحقيق الاستفادة القصوى من إنتاج الذهب يقترح الجاك أن تقوم الشركة السودانية للتعدين بشراء كل الذهب المنتج محلياً ومن ثم تصديره ومنع التصدير من قبل الشركات الخاصة إلى حين وضع ترتيبات طويلة الأمد.