تاريخ الغناء السوداني (2)

المؤثرات الثقافية على الغناء في السودان:

إكتسب الغناء السوداني ثراءه من مزجه للفن العربي و الأفريقي و التنوع الثقافي و الإثني الذي إنعكس على تعدد الأشكال و الأنماط الموسيقية و الغنائية في السودان ، فهناك مؤثرات و روافد ثقافية وضعت بصمتها بصورة واضحة على الغناء في السودان و هي تبيين مدى التواصل الزماني و الثقافي الناتج.

و يُرجئ الكثير من الباحثين تاريخ الغناء السوداني بصورته الماثلة اليوم إلى ما بعد الهجرات العربية و إنتشار الدين الإسلامي في الممالك الكُبرى مثل الفونج و تقلي و الفور ، و هي الفترة التي تلاقحت فيها الثقافة العربية بالأفريقية و كانت بداية لنشوء ما يُعرف بثقافة الوسط و تكون الدولة السودانية الحديثة، فنجد أن العرب و عند دخولهم إلى السودان حملوا معهم ترتيل القرآن و الآذان و الدوبيت و آلاتهم الموسيقية كالرباب و الطار و الطبل الكبير ، فبدأت الموسيقى العربية تفرض نفسها على الحياة و المجتمع عبر الإنشاد الديني و حركة البدو الرحل و نشاط العرب التجاري و الحرفي في المدن ، فبدأت الموسيقى السودانية تأخذ طابع مستعرب و تنامت ثلاثة أشكال للموسيقى في السودان: موسيقى عربية في غرب السودان، موسيقى أفريقية في جنوب السودان، مزيج أفريقي عربي في وسط و شمال و شرق السودان، و عند دخول المستعمر التركي بدأت الموسيقى بالتطور و إمتزجت اللهجات المحلية مع العربية في قالب السلم الخماسي، لكن في عهد الدولة المهدية حدث ركود فني سببه حظر الغناء و الرقص و حتى نشاط الطرق الصوفية ، و ذلك بالطبع في ظل أيدولوجية المهدية.

يقول مؤلف كتاب (من تاريخ الغناء و الموسيقى في السودان):

إن الأغنية السودانية المعلومة في تركيبتها الإجمالية أفريقية عربية، لكنها من خلال الوجدان الجماعي و تنوع بيئات السودان ظلت تتدرج لتصبح شيئا سودانيا مستقلاً، لكن الكثير يقوم بإدارج الغناء في السودان تحت الهوية الأفريقية بسبب السلم الخماسي الذي يوجد في اغلب غنائنا ،

و لكن الدكتور عبد الله علي إبراهيم يقول في تقديمه للكتاب أعلاه:

أن اغنيتنا المعروفة ترعرعت في ظل الاغنية العربية و خصوصا المصرية بأكثر من الاغنية الافريقية ، و أن تعاملنا مع أفريقيا لا يتعدى التأثر بالذوق الأثيوبي و الصومالي خلال الحرب العالمية الثانية و ما وقع من تأثير على عثمان المو و شرحبيل أحمد من غناء الجاز و جنوب السودان و شرق افريقيا، بل أحيانا  ان اغنيتنا قد تأثرت من الشرق و من الغرب بما يعادل تأثير أفريقيا، فقد تسرب الأثر البريطاني-الإسكتلندي و التركي إلى موسيقانا عن طريق جلالات الجيش السوداني.

الكــاشف

أما التأثير المصري العربي فقد وقع من جهة إحتكاك مغنينا بمصر من خلال زياراتهم لتسجيل الإسطوانات أو لإذاعة ركن السودان و التي تُعد من أكبر معامل إعادة تفريخ الأغنية السودانية، و تأثرنا بالغناء المصري يتجلى بصورة واضحة في مزاوجة الكاشف بين المقامات في أغنية (فتنت بيه) حتى قيل انه خرج من الخماسي الى السباعي ، كما ان المرحوم خضر حمد بعث في الثلاثينيات بأغنية (يا غزال الروض) إلى معهد فؤاد الأول للموسيقى بالقاهرة ليخرجوا بها من المحلية دون طمس سودانيتها.

خضر حمد

يمكننا تلخيص الروافد و التأثيرات الثقافية العربية على الأغنية السودانية الماثلة اليوم في الآتي:

  • ثقافة شعرية قديمة: و يتجلى بصورة واضحة في قصائد الغناء التي ألفها الشعراء ، فالجدية المقدرة و العناية المفرطة بالشكل و المعنى للقصيدة يوضح مدى إلمامهم بالثقافة الشعرية القديمة.
  • ثقافة إسلامية: و هي تمثل الخلفية للقدر الأعظم من المواطنين.
  • ثقافة تاريخية عربية: و هي مرتبطة بالتاريخ العربي العربي القديم بصورة خاصة و بالسير الشعبية التي تحكى عن العرب.

و توجد العديد من النماذج الشعرية  و القصائد التي يتضح تأثرها الثقافة العربية و الإسلامية و ابرزهم: إبراهيم العبادي و عبيد عبد الرحمن و سيد عبد العزيز و إبراهيم سليمان و غيرهم.

Copyright secured by Digiprove © 2021 Ashraf Eltom

Related posts

حرب المياه

تاريخ الـرق والعبودية فـي السـودان

إشكالية إدارة التنوع الثقافي في السودان

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. أقرا المزيد...