تاريخ السودان الحديث ج “٨”

عهد الإنقاذ (٣)

   ما زلنا في منتصف الطريق، لم تنتهي القصة بعد.. و مع إشراق شمس القرن الواحد و العشرين في السودان.. سنقف على نقاط مهمة، وسنذكرها مجملاً، وتفصيلاً من بداية الالفيّة الجديدة.
السناريو السياسي بعد الخلاف :
بعد أن سادت الخلافات، و الإنشقاقات داخل أروقة الحكم في عام ١٩٩٩.. قام الترابي بتأسيس المؤتمر الشعبي، و تصدر صفوف المعارضة لنظام البشير، و لكن الإنطلاقة الفعلية كانت في السادس من مايو  2000م، عندما حل البشير  الأمانة العامة للمؤتمر الوطني، التى كان يتزعمها الترابي، و قد منعهُ من دخول الحزب حينها شعر الترابي بالأسى و الحسرة بسبب ثقته بمن وضعهم في السلطة. و قد بدأ الطرفان إتهام بعضهم البعض بالفساد، و المحسوبية، وسوء إستغلال المناصب. هذا فيما إجتمع البشير، وزعماء المعارضة في التحالف الديمقراطي لأول مرة في إريتريا.


و في العام ذاته أجريت إنتخابات عامة بديسمبر 2000 م، لإنتخاب رئيس، و مجلس وطني.. وفاز فيها البشير بفترة رئاسية أخرى في انتخابات قاطعتها أحزاب المعارضة الرئيسية.
 توقيع الترابي، وقرنق على اتفاقية سلام :-
وقع جون قرنق زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان، والترابي زعيم المؤتمر الشعبي، على ورقة عمل مشتركة لتعزيز التعاون، والتنسيق بينهما بشأن إحلال السلام في السودان، و تنص الورقة على العمل لإقامة نظام ديمقراطي.. يضمن تمثيل كافة قوى، وطوائف الشعب السوداني، وعلى التقسيم العادل للثروة. وكان توقيع الاتفاقية في بريطانيا بحضور جون قرنق ، والدكتور على الحاج ممثلاً للمؤتمر الشعبي…. ومن جانب آخر قام الترابي أيضا بتوقيع مذكرة تفاهم بينه وبين الحركة الشعبية لتحرير السودان في جنيف ٢٠٠١ م تحت إطار الحوار المفتوح لدى كافة القوى السودانية. ما لبثت المذكرة أياما حتى تم اعتقال الترابي. وفي عام ٢٠٠٢ وقعت الحكومة السودانية مع الحركة الشعبية لتحرير السودان؛ اتفاقاً لوقف إطلاق النار لمدة ستة أشهر في جبال النوبة الوسطى التي تعتبر أحد المعاقل الأساسية للمتمردين؛ هذا فيما صدر “قانون”سلام السودان” ربط العقوبات الامريكية على السودان بالتقدم الذي يتم إحرازه في المفاوضات مع الحركة الشعبية لتحرير السودان.

جون قرنق

إندلاع حرب دارفور ٢٠٠٣ :-

عبد الواحد محمد نور

  كانت بداية الصراع في غرب السودان (دارفور) أن مجموعتين متمردين أمثال حركة تحرير السودان، و رئيسها الأول عبد الواحد محمد نور، وحركة العدل والمساواة، وزعيمها خليل إبراهيم بإتهام الحكومة السودانية بإضطهاد، وتهميش سكان دارفور من غير العرب، و كان رد الحكومة بهجمات عبارة عن تطهير عرقي لسكان دارفور، ومن نتائج الحرب أنها أدت إلى مقتل مئات الآلاف المدنيين، و اتهم بسببها الرئيس السوداني عمر حسن البشير بارتكاب إبادة جماعية، جرائم حرب، و جرائم ضد الإنسانية من قبل محكمة العدل الدولية. و في العام ذاته وقّعت الحكومة السودانية، و الحركة الشعبية لتحرير السودان اتفاقا أمنياً يسمح بدمج القوات في مناطق معينة متنازع عليها، و يحتفظ الطرفان بقوات مسلحة منفصلة في المناطق الأخرى. و تستمر المفاوضات حول القضايا السياسية و الاقتصادية.

هذا وقد تم إطلاق سراح الشيخ حسن الترابي أمين عام حزب المؤتمر الشعبي بعد ما يقارب ثلاث سنوات من الاعتقال؛ في محاولة لتهدئة الوضع التوتر الداخلي قبل الإقدام على توقيع اتفاق السلام النهائي. فيما تضاعفت الجهود الدولية من خلال “منظمة الإيغاد” إلى أن تم توقيع اتفاق اطاري يسمي “بروتوكول ماشاكوس” و ذلك في يوليو من عام ٢٠٠٥، والذي أعطى للجنوب حكم ذاتي لفترة انتقالية مدتها ٦ سنوات، وحق تقرير المصير، وفرصة للجنوبيين لتفكير في الانفصال، كذلك أعطى الفرصة في بناء مؤسسات الحكم الانتقالية كنوع من الضمانات. كل هذه الخطوات كانت تمهيدا لتوقيع اتفاقية السلام الشامل.


توقيع اتفاقية السلام الشامل نيفاشا ٢٠٠٥ :-
تم التوقيع على إتفاقية السلام الشامل في نيفاشا؛ بين حكومة السودان ممثلة بنائب رئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه و رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان الدكتور جون قرنق دي مبيور، و التي بموجبها أوقفت أطول حرب أهلية في أفريقيا، و منحت إقليم جنوب السودان حكما ذاتياً، ومشاركة في الحكم المركزي، و نصت على تنظيم استفتاء حول الوحدة أو الاستقلال في العام ٢٠١١. كما تم التوقيع على الدستور الانتقالي الجديد في عام ٢٠٠٥، و في منتصف العام ذاته توفي جون قرنق بحادثة تحطم طائرة مروحية كان على متنها.


إستمرار الحرب في دارفور :-
منذ اندلاعها في ٢٠٠٣ لم تتوقف الحرب في دارفور، مما زاد من الأضرار الناجمة عنها، و تشرد الآلاف من المواطنين. و لكن في مايو ٢٠٠٦ نجحت الحكومة السودانية في التوقيع على اتفاقية سلام مع متمردي حركة تحرير السودان، بقيادة مني أركو ميناوي فى العاصمة النيجيرية أبوجا تحت رعاية الاتحاد الأفريقي، ولكن فصيلين آخرين رفضاها.

جوانب اقتصادية في عهد الإنقاذ :-
في عام ٢٠٠٨م بالرغم من الحروب المستعرة في غرب السودان – ازدهر الاقتصاد السوداني على خلفية الزيادة في إنتاج النفط، وارتفاع أسعار النفط، والتدفقات كبيرة من الإستثمار الأجنبي المباشر. سجل نمو الناتج المحلي الإجمالي أكثر من ١٠% سنويا في عامي ٢٠٠٦، و٢٠٠٧ ، في يناير ٢٠٠٧، أدخلت الحكومة عملة جديدة، والجنيه السوداني، على أساس سعر صرف الأولي 1.00 دولار يساوي ٢جنيه سوداني. ولكن حلت أزمة بالاقتصاد السوداني حتى اضطر البنك المركزي لرفع سعر صرف العملة المحلية حتى ارتفعت إلى ٣٠ جنيه سوداني مقابل كل دولار.
بنهاية العقد الثاني من تاريخ الحكم العسكري الثالث في السودان.ظل السودان منذ فجر الإستقلال يحاول البحث عن حلول لمشكلاته الرئيسية التي من أهمها مشكلة جنوب السودان، ولكنه فشل. مما قاد إلى انفصال ثلث كامل من مساحة السودان. و سنوافيكم بمزيد من التفاصيل عن انفصال الجنوب في الجزء القادم.

Related posts

إشكالية إدارة التنوع الثقافي في السودان

الديمقراطية للديمقراطيين

جرائم عبر القرون ج (10)

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. أقرا المزيد...