الحكم الرابع في السودان (بقيادة عسكرية)
الجزئية الأولى في فترة جعفر نميري :-
بنهاية عهد الديمقراطية الثانية في السودان، وعلى أثر فشل الأحزاب بالعبور في الحكم إلى بر الأمان لعدة أسباب، استولى العديد من الضباط الشباب في مايو 1969 الذين أطلقوا على أنفسهم حركة الضباط الأحرار على السلطة في السودان وبدأ عهد جعفر النميري.في صبيحة يوم 25 مايو 1969م بثت إذاعة أم درمان بياناُ للعقيد أركان حرب جعفر محمد النميري معلناً استيلاء القوات المسلحة السودانية على السلطة في البلاد، وتم تكوين مجلسين هما:
المجلس الأول :
مجلس قيادة الثورة برئاسة جعفر النميري الذي ترقى في اليوم ذاته إلى رتبة لواء ثم لاحقا إلى رتبة المشير.
المجلس الثاني :
مجلس الوزراء تحت رئاسة بابكر عوض الله رئيس القضاء السابق الذي استقال من منصبه في عام 1964 م، احتجاجاً على قرار حلّ الحزب الشيوعي السوداني.
مثل المجلسان سوياُ السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية. شمل مجلس قيادة الثورة تسعة ضباط كلهم تقريباً من رتبة رائد وضمت الحكومة الجديدة (21) وزيراً برئاسة جعفر نميري رئيس مجلس قيادة الثورة و وزير الدفاع. و كانت حكومةَ تكنوقراط فعليةً يحملُ أعضاؤها درجاتٍ علميةً كبيرةً ومؤهلاتٍ عُلْياَ.
الحكومة والفترة اليسارية :
ضمت في تشكيلتها عددا كبيراً من الشيوعيين واليساريين البارزين والقوميين العرب، وقد وضح هذا منذ البداية توجهات الحكومة الجديدة اليسارية. شكل أنصار الحزب الشيوعي قاعدة شعبية لها، فيما تولت المنظمات التابعة له دعم النظام الجديد -الذي عرف لاحقاً بنظام مايو- و حشد التأييد الشعبي له. هذا فيما أعلنت حكومة نميرى الحرب على الأحزاب التقليدية وفي مقدمتها حزب الأمة والإتحادي الديمقراطي ووصفتها بالإقطاع.
نميري وموقفه تجاه مشكلات السودان :
–التنمية :
في المجال الأقتصادي تبنت حكومة نميري سياسة تأميم البنوك والشركات التجارية الكبيرة في البلاد وتحويلها إلى القطاع العام. كما قامت لاحقاً بتشييد شبكة من الطرق بين المدن وتعاقدت مع شركة شيفرون الأمريكية للتنقيب عن النفط وهو مشروع لم يكتمل آنذاك لدواعي أمنية تماماً كمشروع حفر قناة في ولاية جونقلي لتحويل مسار بحر الجبل وتفادي منطقة السدود بغية زيادة مياه نهر النيل، وفي جانب التعليم اعتبرت حكومة نميري: “إن نظام التعليم في السودان لا يلبي احتياجات التنمية الاجتماعية والاقتصادية بشكل كاف” وسار في درب إصلاح التعليم فغير المناهج والسلم التعليمي ونشر المدارس وزاد أعداد الطلاب بصورة واسعة. أنشأت في عهده جامعة الجزيرة وجوبا ووسع معهد الكليات التكنولوجية.
–الدستور:
وفي سعيه لحل مشكلة نظام الحكم قام جعفر نميري بحل مجلس قيادة الثورة وأجرى استفتاء عام على رئاسة الجمهورية ليصبح النميري أول من حاز على لقب رئيس الجمهورية في السودان. وتم تشكيل لجنة حكومية لدراسة الهيكل الدستوري وكلف الدكتور جعفر محمد علي بخيت بوضع المسودة، على أن يساعده كل من منصور خالد وبدر الدين سليمان بينما حل الاتحاد الاشتراكي السوداني محل الأحزاب إلى جانب المنظمات والإتحادات الجماهيرية التابعة له،في إطار ما عرف آنذاك بتحالف قوى الشعب العاملة.
– جنوب السودان:
ظلت مشكلة جنوب السودان إحدى المشكلات العميقة منذ استقلال السودان ولكن عندما جاءت حكومة نميرى عملت على إصدار إعلان التاسع من يونيو 1969 م، الذي انطلق من الاعتراف بالتباين والفوارق بين شمال السودان وجنوبه، وحق الجنوبيين في أن يطوروا ثقافتهم وتقاليدهم في نطاق سودان “اشتراكي” موحد مما يشكل نقطة تحول كبرى في سياسات الشمال تجاه جنوب السودان حيث أن ذلك يعني التخلي عن أهم توجه الأحزاب الشمالية في تسوية إشكالية الجنوب عن طريق نشر الثقافة العربية والدين الإسلامي في الأقاليم الجنوبية، لكن ذلك لم يشفع للنظام انتمائه الواضح لليسار في نظر المتمردين الجنوبيين الذين استغلوا هذا التوجه السياسي الجديد للشمال، فأعلنوا انهم يحاربون الشيوعية والتدخل السوفيتي في الجنوب بدأت حكومة نميري أولا بالاهتمام بالمسيحية، وجعلت العطلة الأسبوعية في الجنوب يوم الأحد بدلاً عن يوم الجمعة، وسعت إلى تحسين علاقتها مع الكنيسة وبالتالي تحسين علاقات السودان بالغرب ومع البلدان الأفريقية المجاورة وفي مقدمتها إثيوبيا التي كانت تحتضن قادة التمرد الجنوبيين.
الحكومة والإسلاميين :
بعد أن كان النظام يعتبر في بداياته صنيعة لليسار، تحرر من قبضة اليساريين ليضم إلى معسكره قيادات حزبية تقليدية بارزة، ثم اتجه نحو الإسلاميين الذين منحهم السانحة لتصفية حساباتهم مع اليسار. وفي غضون ذلك ازدهرت الحركة الفكرية الإسلامية في السودان واكتظت الساحة السياسية بالأفكار والأنشطة والجماعات الإسلامية، كل يبشر بأفكاره بدءا بالأخوان المسلمين وجماعة انصار السنة مرورا بالطرق الصوفية المختلفة وانتهاء بالأحزاب التي دخلت الحلبة عن طريق طوائفها الدينية كالختمية والأنصار. وكانت هذه القوى كلها تدعو إلى تطبيق مبادئ إسلامية عامة.
قوانين الشريعة وأزمة القضاء :
صدرت عدد من القوانين الجديدة بموجب “الثورة القضائية” التي حدثت بعد استقالة بعض القضاة وطرد بعضهم من الخدمة ووصل عددها إلى 13 قانون أبرزها قانون العقوبات الذي اشتمل على العقوبات الحدية، وهكذا ولدت التشريعات الإسلامية التي عرفت بقوانين الشريعة الإسلامية عند مؤيديها، أو بقوانين سبتمبر عند معارضيها.
امتد عهد نميري لفترة – ليست بالقليلة- تزيد عن خمسة عشر عاماً ، شهد فيها السودان العديد من الاحداث، والإنجازات، والصعاب علاوةً على مشكلات السودان الثلاثة التي واجهت العسكر في فترة حكمه،والتي سنتطرق إليها في الجزء القادم.
Copyright secured by Digiprove © 2020 Ashraf Eltom