إرتبطت الجماعات الإسلامية في السودان بمصطلح التوظيف السياسي مؤخراً بصورة كبيرة، خاصة بعد أن مثلت هذه الجماعات حواضن سياسية لأغلبية الأنظمة الحاكمة التي تعاقبت على البلاد في تاريخها الحديث أو ساهمت في بروز بعضها بشكل أو بآخر على الأقل.
اتسمت العلاقة بين الصوفية والسياسة في السودان بحالة من الشد والجذب وتأثرت بغيرها من الظروف المحيطة وكذلك بزعماء الطرق في كل فترة على حد، فالصوفية في مجملها يروج لها أئمتها ومريديها بأنها علم وسلوك يهتم بالأخلاق ويبتعد عن السياسة، فابتعدوا عن السياسة كعلوم ونظريات وطبقوها ومارسوها كلما إقتضى الحال.وبدأت هذه العلاقة بعد وصول الصوفية إلى السودان بفترة قصيرة، فما أن بدأت تلك الطرق بالإنتشار والتأثير حتى سارع الزعماء والنظار وشيوخ القبائل بإستمالة هذه الطرق حتى لا تساهم في تقليل سلطاتهم على المجتمعات الموجودة آنذاك، وتوطدت تلك العلاقة عند قيام مملكة الفونج -والتي تعتبر فترتها الذهبية-وحظي فيها مشايخ الطرق بكامل التأييد من سلاطين المملكة بجانب الإحترام والتبجيل الذي وجدوه من المجتمع، مثل الشيخ حسن ود حسونة الذي كان مقرباً جداً من سلاطين سنار وكثر ماله وبسط سلطانه على رقعة كبيرة من المنطقة المحيطة بقريته والتي سميت بإسمه، وكذلك الشيخ إدريس ود الأرباب بالعيلفون والذي كان مقرباً منهم كذلك، والمجاذيب الذين بسطوا نفوذهم على بربر وما جاورها، ثم أتت فترة الحكم التركي المصري التي غيرت من كل الأعراف الإجتماعية والسياسية الموجودة حينها، فألغت كافة إمتيازات الطرق الصوفية وتوترت العلاقات بين الإدارة التركية والطرق الصوفية في كثير من الأحيان، إلى أن اندلعت الثورة المهدية-و التي كان قائدها الإمام محمد أحمد وخليفته عبد الله التعايشي ذو خلفية صوفية بامتياز- فألغت كافة الطرق الصوفية بجانب المناهج الأربعة وذكر محمد أحمد المهدي في منشوره بهذا الخصوص:” تعددت الطرق واختلفت حتى ظن أن كل شيخ يقوم بتأسيس دين جديد وأن غيره من زعماء الطرق خارج عن الدين وحتى ضل القوم ضلالاً مبيناً وأصبحوا يوجهون أنظارهم لمشايخهم بدلاً من ينبوع الدين والعرفان الأصيل القرءان الكريم والسنة المطهرة”
ويرى البعض أن إلغاء الطرق الصوفية كان نوعاً من التحجيم لبعض الطرق التي خالفت سياسة المهدي وعلى رأسها (الختمية)، التي أظهرت تعاطفا مع الحكم التركي المصري ولم تؤمن بمهدية الامام محمد احمد واستدل هؤلاء بعدم شمولية الحظر الذي اطلقه الامام على كافة الطرق وانما اختص به بعض الطرق دون الأخرى.
أما فترة الحكم الثنائي التي تلت المهدية فقد بدأت بعلاقة يشوبها الحذر المصحوب بالشك وعدم الثقة بين الطرفين خاصة بعد اعتقال الشريف يوسف الهندي عام 1905م ثم وضعه قيد الإقامة الجبرية بالخرطوم ثم صدور منشور من ادارة الحكومة الاستعمارية تدعوا فيه الى مراقبة ومتابعة نشاط الطرق الصوفية، حتى اندلعت الحرب العالمية الأولى عام 1914م فتغيرت سياسة الانجليز تجاه الصوفية خوفا من استمالة المعسكر التركي لها، خاصة وأن تركيا كانت تصور الحرب القائمة على أنها “دينية” لجذب كافة الأطياف الإسلامية لصفها، مما حدا بالإدارة البريطانية لإستمالة زعماء الطرق مرة بالأوسمة والألقاب التشريفية وتارة بالأراضي والمشاريع الزراعية ونجحت في مسعاها وأمنت جانب السيد علي الميرغني كبير الختمية والسيد عبد الرحمن المهدي زعيم الأنصار وحتى الشريف الهندي، وفي أواخر أيام الاستعمار أفرزت هذه الطوائف بعض الأحزاب التي ساهمت بشكل كبير في الاستقلال وطرد المستعمر، والتي انقسمت لأحزاب استقلالية-تنادي بالاستقلال التام عن مصر وبريطانيا وشعارها السودان للسودانيين-بقيادة الأنصار وحزب الأمة وأحزاب اتحادية-تنادي بوحدة شعبي وادي النيل- بمساندة ومباركة السيد علي الميرغني، وقد أثرت هذه الأحزاب بشكل كبير على الخارطة السياسية في العصر الحالي حيث سيطر الحزب الاتحادي وحزب الأمة على مقاعد السلطة في الحكومة المنتخبة عقب ثورة ابريل وترأس الصادق المهدي زعيم حزب الامة مجلس الوزراء لدورتين مختلفتين، غير أنه لم يكن هناك حزب صوفي بحت الا عام 2017 م بعد تأسيس اول حزب صوفي وكان يرأسه عبد الجبار الشيخ بلال تحت مسمى(الحزب الصوفي الديموقراطي).