بلاد النوبة في العصور الوسطى(1)

توطئة

كان اعتناق النوبيين للديانة المسيحية في القرن السادس الميلادي إيذاناً بفترة تقدم سياسي و ثقافي في السودان ،كما أدى إلى إلتحام الممالك النهرية التي كانت قائمة قبل مجيء الإرساليات التبشيرية إلى هذه البلاد .

و كان من أثر إمتزاج الحضارة المحلية و العناصر الجديدة التي جاءت من مناطق البحر الأبيض المتوسط أن نشأت تلك الحركة الفكرية و الفنية التي تتجلى في المخلفات الأثرية .

 

هذه الحركة تتعارض مع ما انطبع في الأذهان من أفكار مستمدة من قراءتنا للروايات العربية التي تصور تأخر هذه البلاد و وحشيتها بروح مناوءة معادية.

 

و أن الفترة التي امتدت لألف سنة ، لتعد فترة من تاريخ السودان، لم تنل من البحث و الدراسة إلا القليل ، و يهملها الناس دائماً ، و يعتبرونها قليلة المعلومات ،عديمة الأهمية . و لكن دراسة المخلفات المدونة و الأثرية ترينا أن هذا العصر كان عصر إزدهار فني ، و قوة سياسية ،و تاريخ مهم ترك سمات دائمة على هذا القطر و ساعد على تكييف الحضارة المميزة للسودان الشمالي.

 

و قد قويت مملكة النوبة في هذا العصر و صارت ذات سلطان ؛ حتى أن ملوكها كانوا يُعاملون على قدم المساواة مع أباطرة مصر و ملوك البلاد الأخرى في الشرق الأدنى.

 

كانت حضارتها السائدة حضارة أمة تحترف الزراعة النهرية كما يفعل النوبيون و معظم أهل الشمال الآن ، و لكنها كانت ذات أثر و صلة بسكان المناطق الصحراوية إلى الشرق و الغرب ؛ فقد عُثرت على قطع من الفخار المميِّز لمملكة دنقلا في خور بنت في جبال البحر الأحمر ،و وُجدت كتابة بالنوبية القديمة في تلال أبو نجيلة شمالي كردفان.

 

على أنقاض مملكة مروي قامت ثلاث ممالك نوبية جاء ذكرها لأول مرة في التاريخ فيما ذكره يوحنا الأفسوسي أحد علماء الشام عن الحركة التبشيرية في القرن السادس الميلادي.

 

فكانت في الشمال مملكة النوباد التي تمتد من شمالي الشلال الأول حتى الشلال الثالث و عاصمتها فرس (فرص) ، و يليها جنوباً مملكة المقرة التي تنتهي حدودها الجنوبية عند منطقة عُرفت في المصادر العربية بمنطقة الأبواب ، و كانت عاصمة المقرة دنقلا .ثم تأتي مملكة علوة و عاصمتها سوبا بالقرب من الخرطوم.

 

في سلسة أسميتها (بلاد النوبة في العصور الوسطى) تيمناً باسم المرجع الشهير للدكتور ب.ل شتي، و المترجَم بواسطة الآثاري السوداني المخضرم الدكتور نجم الدين محمد شريف؛ سنثبر أغوار هذه الفترة التاريخية المهمة جداً من تاريخ السودان، و سنتعرف بتفصيل أكثر دقة عن نوباتيا و المقرة و علوة كلٌ على حدى.

Related posts

الكوليرا حيث الماء سر الحياة وسر الموت

آلام مخفية

أمراض البنية التحتية

5 تعليقات

فائزه عبد الرحيم 2020-10-17 - 12:13 صباحًا
رائع جدا وجميل بالتوفيق ان شاء الله والى الأمام دائما
فائزه عبد الرحيم 2020-10-16 - 10:41 مساءً
رائع جدا بالتوفيق والى الامام دائمآ
fadwa 2020-10-16 - 10:36 مساءً
رائع جاذب لإكتشاف التاريخ السوداني
غير معروف 2020-10-16 - 8:36 مساءً
حبيت المقال في حاجات كثييره م بنعرفها عن بلدنا ودي لفته جميله جدا ،،في انتظار المزيد🖤🖤🖤.
Rogaya Abdulgadir 2020-10-15 - 9:45 مساءً
جميل.. في انتظار المزيد ❤
Add Comment

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. أقرا المزيد...