انقطعت المعلومات تماماً عن الفترة التي تلت سقوط مروي على يد عيزانا الأكسومي عام 350 ميلادية ، و تعتبر هذه هي الحلقة المفقودة في تاريخ الحضارة النوبية ، حيث نجد أن جميع المصادر تتحدث مباشرة عن نشأة الممالك النوبية الثلاث (نوباتيا ، المقرة، علوة).فبعد سقوط مروي و تبعثر النوبيين في شتى البقاع ، استولى البلميين الوثنيين (قبائل الصحراء الشرقية) على مناطق النفوذ شمالي نبتة ، فقام الملك سيلكو عظيم النوبة بتوحيد النوبيين و شن حملات و غارات حتى استعاد مجد أجداده و أسس دنقلا في منتصف القرن السادس الميلادي (تقريباً 550م بحسب معظم المصادر) ، و من هنا نشأت الممالك النوبية الثلاثة.
إن السبب الحقيقي في نشأة ثلاث ممالك نوبية هو سبب مذهبي بحت ، إذ أن الممالك الثلاث قد اتخذت من المسيحية ديناً لها و لكن كان الإختلاف في المذهب حيث دانت نوباتيا في الشمال بالمذهب اليعقوبي و كذلك علوة في أقصى الجنوب ، بينما اختارت المقرة المذهب الملكاني .
و لكن الإختلاف المذهبي هذا لم يشكل عائقاً بين الممالك الثلاثة ، فلم تسجل صفحات التاريخ في طيلة تلك الفترة قيام حروب أو عدوات بين تلك الممالك ، بل و اتحدت نوباتيا (التي تعرف في المصادر العربية ببلاد المريس ) مع المقرة في وقتٍ ما بين العامين 580-652 م و ربما لسبب أن العرب حينها كانوا قدلا غزوا مصر ، فكان إتحاد المقرة و نوباتيا مجرد إجراء دفاعي ، بدليل أن نوباتيا ظلت متمسكة بمذهبها ، و رغم أن العاصمة كانت في دنقلا إلا أن فرس (عاصمة نوباتيا سابقا) ظلَت مركزاً دينياً في الشمال.
و قد وثق سيلكو عظيم النوبة هذه الإنتصارات في نقش بمعبد كلابشة جنوبي مصر يقول فيه:
أنا سلكو رئيس النوباتيين وجميع الاثيوبيين ، حاربت البليميين ، ثم هاجمتهم للمرة الخامسة حتى توسلوا إليّ ثم عدت إلى الجزء الأعلى من مملكتي (جنوب حلفا)، ولما تمت لي السيادة عليه لم أشأ أن أكون في مؤخرة ملوكه، بل أصبحت في مقدمتهم ،أما عن أولئك الذين نازعوني الزعامة فإنني لم أسمح لهم بأن يعيشوا في بلدهم إلا إذا التمسوا مني المغفرة ،أما رؤساء الشعوب الذين نازعوني الرئاسة فإنني لم أدعهم يعيشون في الظل بل في الشمس ، ومن قاومني منهم قضيت على أولاده ونسائه).
و من الواضح في النص أن سلكو خاض معارك متعددة لتوحيد المنطقة تحت حكمه، ونجح في تحقيق ذلك مكونا في منتصف القرن السادس الميلادي أول مملكة مسيحية (مملكة نوباتيا) التي امتدت من جنوب وادي حلفا حتى منطقة أسوان شمالاً واتخذت فرس عاصمة له، و (مملكة المقرة ) و عاصمتها دنقلا.
2 تعليقات