بلاد النوبة في العصور الوسطى (مملكة علوة ج1)

مملكة علوة

مملكة علوة، وتعرف أيضًا باسم ألوديا هي مملكة نوبية قامت في العصور الوسطى على ما هو الآن جنوب ووسط السودان و كانت عصامتها سوبا التي تقع الآن جنوبي العاصمة الخرطوم.

تعد علوة أقل الممالك النوبية في العصور الوسطى دراسةً إلى حد بعيد، بسبب قلة الأدلة عنها. تأتي معظم المعلومات عنها من عدد قليل من المؤرخين العرب في العصور الوسطى.

علم مملكة علوة

ومن أهم هؤلاء الجغرافي المسلم اليعقوبي (القرن التاسع)، وابن حوقل والأسواني (القرن العاشر) اللذين زارا البلاد، و القبطي أبو المكارم (القرن الثاني عشر). وقد وصف الأحداث المتعلقة بتنصير المملكة في القرن السادس الأساقفة المعاصر يوحنا الأفسسي (John of Ephesus) و يوحنا الراهب الأسبانى (John of Biclarum)

ويُعَد أكمل مصدر فى هذا الموضوع هو كتاب ” يوحنا الأفسسى ” عن ” التاريخ الكنسى ” Ecclesiatical History وطبقاً لما جاء فيه ، فإن فكرة تبشير النوبيين كان للقس القبطى جوليان julian سبق الأضطلاع بها ، ذلك حين لجأ إلى الأمبراطورة البيزنطيه ثيودورا Theodora طالباً منها تفويضاً للقيام بعمل الكرازة للمملكة الشمالية فى النوبة ( نوباتيا ) لكن الإمبراطور جوستنيان Justinian حينما عَلِم بذلك الأمر ، أمر بقيام إرسالية ملكانية على وجه السرعة ، حينئذ دبرت ثيودورا لإحتجاز المبعوثين الملكانيين فى مصر لبعض الوقت ، الأمر الذى كانت نتيجته سبق وصول القس جوليان إلى النوبة فى عام 543 م .

وحسبما يروى ” يوحنا الأفسسى ” فأن جوليان قد اُستقبل بحفاوة بالغة وعلى الفور اعتنق ملك نوباتيا و حاشـيته المسـيحية. بقي ” جوليان ” لمدة عامين فى نوباتيا ، إذ أنه من المؤكد أن الأنبا  ثيودور ” أسقف فيلة ” قد استمر فى حمل رسالة التبشير حتى عام 551 م بعد أن قضى ست سنوات عاد بعدها إلى أيبارشيته فى فيلة .

تأسست علوة في وقت ما بعد سقوط مروي، نحو 350 بعد الميلاد، وقد ورد ذكرها لأول مرة في السجلات التاريخية في عام 569، و رغم أن عمليات التبشير المسيحي كانت جارية في الممالك الشمالية (نوباتيا و المقرة ) أن علوة كانت آخر الممالك النوبية الثلاث التي دخلت المسيحية في عام 580.

بلغت علوة ذروة قوتها في قرن التاسع الميلادي حيث إزدهرت عمرانياَ و إقتصاديا و ثقافياً و حتى عسكرياً و أظهرت تفوقاً واضحاً على جارتها الشمالية المقرة.

ففي سوبا وحدها كان هناك ما يقارب الـ400 كنيسة و كاتدرائية ، حيث ذكر أبو صالح الأرمني  علوة في كتابه ” تاريخ الشيخ أبى صالح الأرمني ” و تحدث بإعجاب شديد عنها والأديرة الجميلة فيها، ويتحدث عن مدينة علوة التى هى سوبا و بها جيش ومملكة عظيمة جداً، وأربعمائة كنيسة ، وهى شرقى الجزيرة الكبيرة بين البحرين الأبيض والأخضر، وجميع من بها من نصارى يعاقبة، وحولها ديارات متباعدة من البحر ، ومنها ما هو على البحر، وبها كنيسة عظيمة جداً متسعة مُحكمة الوضع و البناء أكثر من جميع الكنائس التى بها .

ويقول المؤرخ العربى المسعودي:

 ” أما النوبة فإفترقت فرقتين فرقة فى شرق النيل وفرقة فى غربه، وأناخت على شاطئيه فإتصلت ديارها بديار القبط من أرض مصر والصعيد فى بلاد أسوان ، وإتسعت مساكن النوبة التى على شاطىء النيل حتى لحقوا بأعاليه وبنوا دار مملكة عظيمة أسموها سوبا”.

و لقد تناولت المصادر العربية – وبخاصة مؤَلَّفَي ابن سليم وابن حوقل – وصف بلاد علوة و أنهارها ومواردها ومدنها وسكانها. و اتضح أن مملكة علوة تمتعت بثروات متنوعة من أراضي زراعية خصبة و واسعة وثروات حيوانية ومعدنية وأنشطة تجارية. و بيّنت المصادر العربية قوة مملكة علوة وثرائها بالمقارنة إلى مملكة مقُرة. فوصف ابن حوقل  بلاد علوة بأنها أعمر بلاد النوبة وذكر أنها

” لها قرى متصلة وعمارات متصلة حتى السائر ليجتاز في الفترة الواحدة بقرى عدة غير منبترة الحدود، ذوات مياه متصلة بسواق من النيل.”

 

و وضح ابن سليم حتى بلاد علوة “أخصب و أوسع من مقرة، والنخل والكرم عندهم يسير وأكثر حبوبهم الذرة البيضاء التي مثل الأرز منها، خبزهم ومزرهم واللحم عندهم كثير لكثرة المواشي، والمروج الواسعة العظيمة السعة، حتى أنه لا يوصل إلى الجبل إلا في أيام، وعندهم خيل عتاق، وجمال صهب عراب.” وذكر الادريسي حتى أهل علوة “يغرسون الشعير والذرة وسائر بقولهم من السلجم والبصل والفجل والقثاء والبطيخ” .

و وصف الإدريسي حال علوة بقوله :

“حال علوة في هيأتها ومبانيها ومراتب أهلها وتجاراتهم مثل ما هي عليه حالات مدينة دنقلا، وأهل علوة يسافرون إلى بلاد مصر وبين علوة وبلاق عشرة أيام في البر وفي النيل أقل من ذلك انحداراً وأكثر وكذلك أهل علوة ودنقلا يسافرون في النيل بالمراكب وينزلون أيضاً إلى مدينة بلاق في النيل”

 

كما ارتبطت مملكة علوة عبر البحر الأحمر بعلاقات تجارية شرقاً ببلاد العرب. وإلى جانب قيام مملكة تفلين الإسلامية داخل حدود علوة الشمالية الشرقية في منطقة دلتا القاش، فقد كانت حدود المملكة مفتوحة أمام التجار المسلين بعكس ما كان الحال عليه في مملكة مقرة حيث لم يكن يسمح بدخول المسلمين إلى الجنوب من منطقة حلفا إلا بعد إجراءات إدارية دقيقة. ولذلك فقد ارتبطت علاقات مملكة علوة وقويت عبر حدودها الشرقية وبخاصة مع الممالك الاسلامية التي قامت في الحبشة.

و رغم هذا التقدم و التطور الكبير إلا أنها سقط  شر سقطة و انهارت أسوأ انهيار ، حتى  صرات مضرباً للمثل (خراب سوبا) و هذا ما سنعرفه في الجزء الثاني.

Related posts

إشكالية إدارة التنوع الثقافي في السودان

الديمقراطية للديمقراطيين

جرائم عبر القرون ج (10)

2 تعليقات

محمد صلاح ارقاوي 2020-12-10 - 6:44 مساءً
احسنت النشر والافادة ياابسب
غير معروف 2020-12-05 - 4:58 مساءً
❤️❤️
Add Comment

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. أقرا المزيد...