على امتداد حضارة كوش وإمبراطوريتها تُشكل الطقوس الجنائزية موضوعاً هاماً، وتشمل الجبانات أكثر من ثلاثة أرباع كل المواقع المروية المعروفة، تتجمع القبور بكثافة مع بعضها البعض. أغلب القبور المروية يحتمل أنها ما كانت ذات علامة على السطح، تعرض كل جبانة تقريباً على بضعة هياكل فوقية من الطوب، أغلبها يصاحب أكبر القبور وأكثرها ثراءً. إن كثيراً من البناءات الفوقية للقبور وليست كلها لها غرف مسقوفة صغيرة تطل من الجانب الشرقي، وتقارن بالغرف الجنائزية التي تجاور الأهرامات الملكية. يفترض أن هذه الغرف استخدمت كمستودعات لقرابين ما بعد الدفن.
القبور المروية متفاوته في ترتيباتها لكنها تندرج تحت نوعين أساسيين يمكن وصفها “بقبور الغرفة وقبور المخبأ” . قبور الغرفة_ وهي عبارة عن كهوف مستطيلة من ستة إلى عشرة أقدام في الطول. وحوالي نصف ذلك عرضاً، محفورة مباشرة والوصول إليها يتم عبر سرداب منحدر، بعد مراسم الإدخال يحجز المدخل إلى غرفة القبر بطوب ومن ثم يعاد ملء السرداب. نجد بعض قبور الغرف الكبيرة كانت لعائلة، فيعاد فتحها من وقت لأخر لتستقبل جنازة إضافية.
أما قبور المخبأ_ فتشكل الطبقة الثانية لغرف الجنائز المروية، وهي عبارة عن فتحة رأسية ضيقة، وفي قاعها يُحفر وضع جانبي إما على طول جانب واحد وتسمى “قبور المخبأ الجانبي” أو على طرف واحد وتسمى “قبور المخبأ القدمي” ليوضع عليه الميت و القرابين.
بعد الدفن يقفل المخبأ بالطوب ويعاد ملء الفتحة مع ترك الميت على مساحة فارغة محدودة لا تزيد كبراً عن رقعتها. و بالنسبة للفرق بين المخبأ الجانبي وآخر قدمي ربما تكون في الحقيقة تسلسلاً زمنياً.
نجد كل القبور المروية تقريباً موجهة شرقاً أو غرباً، أي أنها تأخذ الإتجاه المحلي لمجرى النهر، كما فعل البناؤون النوبيون في كل أزمان التاريخ.
يمد الميت على ظهره، الرأس عادة إلى الغرب. في حالات قليلة جداً كان الميت يُزود بكفن من فخار أو خشب. النسوة والأطفال كانوا يغطون في إنتظام بالخرز و المجوهرات.
الأثاث الجنائزي كان يوضع في المكان المخصص له في غرفة الجنازة وغالباً يكون بجوار الرأس، عدا الملابس والمجوهرات. وفي أي قبر الأثاث أقله جرة من الفخار، يفترض أنها تحتوي على نبيذ. و أغلبية القبور تضم أعداد كبيرة من الأثاث الجنائزي أقلها سته مواد، وفي بعض الأحيان يحوى عدد الأكواب و الجرار وحدها أكثر من أثني عشر قطعة. من مواد مختلفة مثل الحديد، البرونز، العاج، الخشب، المعادن الثمينة. كل مادة تقريباً كان مستعملاً في الحياة اليومية كان متوقعاً أن يصحب سيده إلى الحياة الأخرى.
نجد أكثر مميزات العادات المروية الجنائزية هي ألواح مرسومة بألوان أو منقوشة تدعى “طاولة القربان” وصممت لتقبل النبيذ و الطعام المقدمين بالإنابة عن الميت بعد دفنه. و هي مدراج من الرمل الحجري منبسطة، مستطيلة أو مربعة، يبلغ قياسها في الغالب عشرة بوصات عرضاً و أربعة عشرة بوصة طولاً، لها حافة مرفوعة تحيط بمركز مخبوء. يبرز في العادة مصرف بأحد جوانبها لتحمل السائل الذي يدفق إلى داخل المركز. و تزخرف الحافة المرفوعة بواحد من ثلاثة سطور من النص المنساب إحاطةً بها.
وأيضاً “التماثيل الصغيرة” نحت من حجر رملي، حوالي القدمين إرتفاعاً في العادة، يُصّور شكلاً لإنسان ماثل بجمود في أجنحة طائر تمتط خارجاً و إلى الأسفل من ورائه. يعتقد أن هذه المنحوتات تحمي روح الميت. لكنها لم تكن على استعمال دائم، تبدو كأنها كانت مقصورة على قبور الأثرياء.
حكمت أربعة أجيال من الملوك والملكات مروي ودفنوا بجباناتها الملكية. نتعرف على تلك الصروح تاريخها، ودورها في العدد القادم بمشيئة الله.
1 تعليق