يعتبر فيلم “بركة الشيخ” للمخرج جاد الله جبارة اول فيلم سوداني يشارك في مهرجان سينمائي، وقد عرض في افتتاح مهرجان السينما العربية في بيروت وقد نال شهادة تقدير خاصة بالفيلم الروائي الطويل من معهد العالم العربي في باريس.يغوص هذا العمل الملحمي في اعماق المجتمع السوداني في غرابته وطقوسه الغريبة التي كانت وما زالت مستمرة في اغلب أو بعض المناطق الريفية التي تهتم بعالم الشعوذة والسحر ، بسبب عوامل الجهل ببعض ثوابت الدين واستغلال الجانب العاطفي للمواطن وطيبته.
ما زلت اتذكر من تجارب شخصية مرت بي في الصغر عندما نرتحل إلى القرية او الى بعض مناطق الريف مع اصدقائنا ، رؤيتي لأهل القرى ايمانهم الشديد واعتقاداتهم الراسخة في شيوخهم وعدم رضائهم بأن تنبس بكلمة خارجة عن الشيخ او بما يسمى بالدارجي “أبوي الشيخ”
فبعض ما كنت اسمعه من الأهالي واستنجادهم بهم كأن يقولو “يالشيخ الفلان تلحقنا وتفزعنا” والشيخ “يدو لاحقا يا جنا” ، “ببركة سيدي فلان جيب لي المراد”. كل هذه أمثلة من الشرك والعقائد الفاسدة التي تخرج من الدين وللأسف هي بصورة كبيرة في مجتمعنا السوداني المسلم.
فقد تناول فيلم ” بركة الشيخ” بطريقة بسيطة غير معقدة عن ما يفعله هؤلاء الدجالون والمشعوذين بسيطرتهم على عقول الانسان البسيط بمسمى الكرامات والحصول على أموالهم او بما يسمى “البياض” ، فالأجواء التي دارت فيها الفيلم كانت واقعية جدا من بيوت الجالوص والأبواب القصيرة والعناقريب وقلل المياه والخلوى.
ان سبب من أسباب نجاح هذا العمل هو الفريق المشارك ككل من المخرج والمصورين والممثلين الذين تبارو في ما بينهم من ابداع وتقمص للشخصيات العامة للانسان البسيط واستخدام اللكنة البلدية البسيطة باحترافية عالية ، فيتبادر لك انت كمشاهد انك تعيش معهم في هذه القرية وتتعايش مع مشاكلهم وتحزن لما يمرون به وتفرح لما يفرحهم وتتشوق لما سيأتي لهم من فرج وسعادة ، كل هذه المشاعر والاحاسيس لن تأتيك مالم يجيد الممثل دوره بالكامل ويصدق في مشاعره ودوره.
فأنا بشكر جدا الكوكبة الذهبية التي مثلت بداية من المبدع مكي سنادة وناهد حسن وعوض صديق ومحمد شريف علي والممثل القدير والرائع محمد خيري احمد وباقي الكوكبة الفريدة والمجتهدة التي بامتيازها هذا جعلت العمل عبارة عن تحفة سينمائية يفوز بجوائز سينمائية متعددة واصبح ذا رسالة هادفة تتوارث بين الاجيال الفنية لأن يجتهدو ويعملو على إخراج مثل هذه الأعمال الخالدة التي تعبر عن تقاليد هذا الوطن والبلد العامر باختلاف أجناسه ولغاته وثقافاته وتقاليده المتعددة.
13 تعليقات